أعادتني ذكرى إعلان الاستقلال ، الذي ألقاه الزعيم الراحل الشهيد أبو عمار ، في ختام أعمال المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة ، بقصر الصنوبر بالجزائر يوم 15 نوفمبر عام 1988 ، بحضور الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد ، إلى التاريخ الوطني الأخوي والنضالي بين الجزائر وفلسطين ، فمنذ زمن طويل كانت هجرة المجاهدين الجزائريين إلى فلسطين لمحاربة الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية ، وأقاموا في القدس للدفاع عنها وعن المسجد الأقصى ، فكان لهم باب المغاربة ومقام سيدي الهواري.
وبعد استقلال الجزائر عام 1962 ، ووفاء لفلسطين التي وقف أبناؤها إلى جانب ثورة التحرير الجزائرية ، حيث أتذكر أننا في المرحلة الابتدائية سنوات الخمسينيات ، كنا نتبرع بمصروفنا اليومي لثورة الجزائر ، وجاء رد الجميل من الجزائر باحتضان حركة ” فتح ” في البدايات ، وافتتح في الجزائر أول مكتب لحركة فتح عام 1963 ، برئاسة الشهيد خليل الوزير ( أبو جهاد ) ، وبعد إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965 ، افتتح مكتب منظمة التحرير بالعاصمة الجزائر ، إلى جانب مكتب فتح ، فأصبح التمثيل الفلسطيني ثنائيا ، برئاسة المرحوم أحمد وافي ( أبو خليل ) ، وفي العام 1971 وفي عهد الرئيس الجزائري هواري بومدين ، تم رفع التمثيل الفلسطيني إلى مستوى سفارة ، وصارت تسمى ممثلية منظمة التحرير ، وعند إعلان الاستقلال على أرض الجزائر في مثل هذا اليوم منذ 34 عاما ، وكانت الجزائر أول من اعترف بالدول الفلسطينية المستقلة ، أعلن عن تحويل ممثلية منظمة التحرير ، إلى سفارة دولة فلسطين بالجزائر ، 15″ شارع فيكتور هيجو” ، وسط الجزائر العاصمة ، وكانت الجزائر منذ استقلالها تستقبل البعثات الطلابية للدراسة في الجامعات والمعاهد الجزائرية ، والبعثات التعلمية من الأساتذة الفلسطينيين ، بالإضافة إلى الأطباء والمهندسين.
وفي علاقة لا يمكن أن تنسى من تاريخ الجزائر وفلسطين ، بعد أن أعلن الرئيس هواري بو مدين في خطاب للأمة يوم 24 فبراير عام 1971 ، عن تأميم قطاع النفط والمحروقات الجزائرية ، فكان رد شركات النفط والغاز الفرنسية والأوروبية سحب مهندسيها وعمالها من الجزائر ، فتوقف انتاج المحروقات الجزائرية ، يومها توجه الزعيم الفلسطيني أبو عمار للجزائر ، معلنا تضامن فلسطين ، وقابل الرئيس بو مدين , وعرض عليه استقدام عشرات المهندسين والخبراء الفلسطينيين من دول الخليج العربية ، من أجل إعادة تشغيل مصافي النفط ، وعودة الإنتاج من حقولها ، فرحب الرئيس الجزائري ، شاكرا للأخ أبو عمار هذا الموقف الأخوي الشجاع ، فطلب أبو عمار مهلة قصيرة لإحضار المهندسين الفلسطينيين ، وتوجه أبو عمار إلى السعودية والكويت , وطلب منهما عددا من خبراء النفط والمهندسين العاملين في الدولتين ، كانوا يعملون في حقل الأحمدي الكويتي ، وحقل الخفجي السعودي ، واستطاع إحضار 68 خبيرا ومهندسا , بعد أن قدموا استقالاتهم ، وإنهاء أعمالهم في الكويت والسعودية ، ووصلوا إلى الجزائر في وقت قياسي ، وأعادوا انتاج النفط الجزائري وتصديره ، بعد أربعة أشهر من إعلان هواري بومدين تأميم شركات النفط الأجنبية .
وتواصل بعد ذلك الدعم الجزائري للثورة الفلسطينية بكافة أنواع الدعم العسكري بالسلاح وتدريب أبناء فلسطين في كلياتها العسكرية ، إلى جانب الدعم السياسي في كافة المحافل ، ونذكر يوم 13 نوفمبر عام 1974 ، حين قام الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة ، الذي كان وزيرا للخارجية ، ورئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة ، بتقديم الرئيس ياسر عرفات لإلقاء أول خطاب لزعيم فلسطيني من على منصة الأمم المتحدة .
ويتواصل الدعم الجزائري لفلسطين ، فكانت المبادرة الجزائرية من الرئيس الحالي عبد المجيد تبون ، باستضافة لقاء الفصائل الفلسطينية ، تحت عنوان ” لم الشمل والوحدة الوطنية الفلسطينية ” في منتصف أكتوبر الماضي ، وصدور ” إعلان الجزائر للمصالحة ” ، والذي تلاه عقد مؤتمر القمة العربية في الجزائر ، والتي كانت بحق قمة فلسطين ، حيث تم التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية ، والدعوة لمواصلة الدعم لفلسطين ، حتى التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وهكذا كتبت الجزائر وفلسطين ، صفحات ناصعة في تاريخ العلاقات الأخوية والنضالية ، بين الشعبين والقيادتين الفلسطينية والجزائرية.
د. عبد القادر فارس
أمد