تنشغل تونس بعمليات ترويج المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية، الأمر الذي دفع السلطات المعنية إلى إطلاق حملات واسعة النطاق للحدّ من مخاطر الإدمان في صفوف اليافعين، لا سيّما أنّ دراسات ميدانية كانت قد بيّنت أنّ تلاميذ المرحلة الثانوية هم الفريسة الأسهل لشبكات المخدرات.
وتسعى السلطات الأمنية إلى تضييق الخناق على مروّجي المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية في تونس، بعد أن سجّلت البلاد في الأعوام الأخيرة زيادة في نسب الإدمان والعنف في المدارس، كذلك دقّت منظمات مدنية ناقوس الخطر مطالبة بحماية اليافعين من شبكات الجريمة التي تنشط في محيط المنشآت التي يرتادها التلاميذ.
وبالتزامن مع انطلاق العام الدراسي الجديد 2023-2024، أطلقت السلطات الأمنية التونسية حملات واسعة النطاق بهدف التصدّي لشبكات الجريمة في محيط المؤسسات التعليمية، أسفرت عن توقيف مئات من الأشخاص الملاحقين.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية فاكر بوزغاية لـ”العربي الجديد” إنّ “الحملات الأمنية المكثّفة في محيط المؤسسات التربوية أسفرت عن القبض على 1400 مفتّش عنهم في قضايا عدّة”. أضاف بوزغاية أنّ ثمّة “خطة للوقاية من العنف والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر في محيط المدارس والمعاهد الثانوية”، مشيراً إلى أنّ “الحملات الأمنية التي أُطلقت خفّضت بصورة كبيرة معدّل ترويج المخدرات في محيط المدارس وكذلك نسبة الجريمة التي تستهدف التلاميذ”.
وفي عام 2021، كشف مسح وطني حول استهلاك المخدّرات والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر عن أرقام صادمة بشأن استهلاك التلاميذ مختلف أصناف المخدرات، إذ كان تلميذ واحد من بين كلّ 10 تلاميذ يتعاطى المخدرات.
وبيّن المسح، الذي شمل عيّنة تتألف من 6230 تلميذاً وتلميذة، ارتفاع استهلاك المخدرات في صفوف التلاميذ الذين لم تتجاوز أعمارهم 13 عاماً، وقد رأى 12 في المائة من الأشخاص المستجوَبين أنّ التزوّد بأقراص المهدّئات والمنوّمات سهل وهو أمر ممكن من دون وصفة طبية. وأشار المسح نفسه إلى أنّ نسبة استهلاك الهيروين قُدّرت بـ0.4 في المائة في أوساط التلاميذ، إلى جانب تعاطي نسبة أخرى محدودة مواد مخدّرة أخرى مثل الكوكايين وأقراص “إكستاسي”.
في الإطار نفسه، كشفت دراسة أعدّتها الجمعية التونسية لطب الإدمان، في عام 2021، أنّ 3 في المائة من تلاميذ تونس يستهلكون المخدرات بانتظام، وتتراوح أعمار هؤلاء ما بين 15 و17 عاماً.
وتقول الطبيبة هيفاء زليلة، عضو الجمعية التونسية لطب الإدمان، لـ”العربي الجديد” إنّ “الحملات الأمنية واسعة النطاق لمكافحة انتشار المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية مهمّة جداً للحدّ من عرض المواد المخدّرة التي تصل بطرق سهلة إلى التلاميذ”. وبيّنت زليلة أنّ “السنوات الماضية شهدت ارتفاعاً في نسب الإدمان في صفوف التلاميذ الذين تحوّلوا إلى فرائس سهلة لتجّار المخدرات ومروّجي القنّب الهندي خصوصاً”.
وأوضحت زليلة أنّ “التلاميذ الذين يقعون في شراك الإدمان هم ضحايا وفرة المواد المخدّرة من قنّب هندي وأقراص إكستاسي في محيط مؤسساتهم التعليمية، إذ إنّ التلميذ يكون فيها بعيداً عن المراقبة الأسرية”. ورأت زليلة أنّ “المقاربة الأمنية مهمة جداً للتصدّي لمروّجي المخدرات، لكنّ ذلك لن يكون كافياً في غياب مقاربة شاملة تنخرط فيها الأسرة والمجتمع للحدّ من الظاهرة”.
وأكدت زليلة أنّه “بالتوازي مع كبح العرض عبر التصدّي لمروّجي المخدرات، لا بدّ من اتخاذ إجراءات أخرى من أجل الحدّ من الطلب على المواد المخدّرة”، مشدّدة على أنّ “دور الأسرة ودور الكادر التعليمي مهمّان جداً”. أضافت أنّه “لا بدّ من أن تؤدّي الأسر دوراً كبيراً في توعية أبنائها بمخاطر المخدرات وحمايتهم من الوقوع السهل في براثن الإدمان”.
ولفتت زليلة إلى أنّ “التزوّد بالمواد المخدّرة يتمّ في المحيط المدرسي وكذلك خارجه، بحسب ما بيّنت مسوحات ميدانية سابقة، كشفت كذلك أنّ التلميذ في حدّ ذاته مصدر ترويج لهذه الممنوعات”.
يُذكر أنّه بسبب المخدرات، يُحال سنوياً مئات الشبّان واليافعين على المحاكم بتهم التعاطي أو الترويج التي تنتهي بهم في السجن والانقطاع عن التعليم. وفي عام 2017، صادق البرلمان التونسي على قانون جديد يتضمّن أحكاماً مخفّفة لمستهلكي المخدرات المبتدئين، فيمكن للقاضي أن يراعي أوضاعهم الاجتماعية والتعليمية من خلال أحكامه في حقّهم، الأمر الذي قوبل بردود فعل متباينة في البلاد.
العربي الجديد