تعتمد السلطات الفرنسية على المراوحة بين التصعيد والتهدئة في تفاصيل الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر، حيث أعربت باريس عن إقامة علاقة ثقة وشراكة طموحة مع الجزائر تتجاوز جروحًا متعلقة بالذاكرة.
وبعد أن ناقش مجلس النواب الفرنسي الخميس قانون التعويض للحركيين الجزائريين، قال وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان في مقابلة مع صحيفة “لوموند” نشرت عبر موقعها الإلكتروني صباح الجمعة “لدينا روابط راسخة في التاريخ، نتمنى أن تكون الشراكة الفرنسية – الجزائرية طموحة”.
وأكد أنه “من المنطقي عندما ندرك تاريخنا أن تعود جروح للظهور، لكن ينبغي تجاوز ذلك لاستعادة علاقة الثقة”.
ووافق النواب الفرنسيون الخميس في قراءة أولى على مشروع قانون للاعتراف بـ”مأساة الحركيين” وطلب “الصفح” من هؤلاء الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي قبل أن يصلوا إلى فرنسا “في ظروف غير لائقة”.
وترى الجزائر أن هؤلاء الذين يوصفون بـ”الحركى”، “خونة” لبلادهم، وترفض إدراجهم في أي مفاوضات بين البلدين بشأن تاريخهما المشترك.
وتم تقديم ما يقرب من مئة وثلاثين تعديلا على النص الذي من المفترض أن يشكل ترجمة تشريعية لخطاب ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون في العشرين من سبتمبر في قصر الإليزيه أمام ممثلي هذه المجموعة.
وصوّت ستة وأربعون نائبا على النص مقابل رفض صوت واحد وامتناع ستة نواب عن التصويت، ويفترض أن يصوت عليه أيضا مجلس الشيوخ الفرنسي.
وبعد ستين عاما من نهاية حرب الجزائر جاء القانون ليجمع بين بُعدي الذاكرة المعنوي والتعويض المادي.
وردا على التصعيد الفرنسي أنهى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مهام سبعة قناصل لبلاده لدى فرنسا عقب تصريحات للرئيس الفرنسي تتعلق بالجزائر.
ونشرت صحيفة “الشروق” الجزائرية نص مرسوم رئاسي نشر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، وبموجبه أُنهيت مهام قنصل الجزائر العام لدى فرنسا سعيد موسي.
كما تضمن العدد مرسوما آخر أنهيت بموجبه مهام القناصل في تولوز عبدالحميد أحمد خوجة، وفي كريتاي بلقاسم محمودي، وفي بونتوار حياة معوج، وفي بوبيني نجاح بعزيز.
كما أنهيت مهام محمد سعودي بمونبولييه، وحدّة تواتي بنيس حسب المصدر نفسه.
وحسب وسائل إعلام محلية فقد جاء المرسوم “بعد تصريحات أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شكك خلالها في تاريخ وجود الأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي”.
وسبق أن استدعت الجزائر سفيرها في فرنسا وأغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية الناشطة في إطار عملية “برخان” في الساحل الأفريقي.
وأثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غضب الجزائر في أكتوبر الماضي في كلام أوردته صحيفة “لوموند” اتهم فيه النظام “السياسي العسكري” الجزائري بانتهاج سياسة “ريع الذاكرة” حول حرب الجزائر وفرنسا القوة المستعمِرة السابقة فيها.
وجاء في الصحيفة يومها أن ماكرون تساءل حول وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي، مثيرا ردود أفعال غاضبة في المجتمع الجزائري.
وأعرب الرئيس الفرنسي بعد ذلك عن “أسفه” للجدل الحاصل وأكد “تمسكه القوي بتنمية” العلاقات الثنائية.
ورحبت الجزائر بهذه التصريحات وأوفدت وزير خارجيتها رمطان لعمامرة إلى مؤتمر باريس حول الوضع في ليبيا في الثاني عشر من نوفمبر الجاري.
وقال لودريان “قد يحصل سوء فهم من وقت لآخر لكن ذلك لا يقلل من الأهمية التي نوليها للعلاقات بين بلدينا”.
وأضاف “يجب المحافظة على هذا الرابط القائم على احترام السيادة والإرادة المشتركة لتجاوز الخلافات والعودة إلى علاقة هادئة”.
ودعا إلى إشراك أكبر للجزائر في حل النزاع في مالي فيما وقعت اتفاقات السلام بين باماكو والجماعات المسلحة في شمال البلاد في العاصمة الجزائرية العام 2015.
وكان الرئيس الجزائري قد أعرب عن استعداده لمساعدة الماليين الذين يواجهون توسعا للهجمات الجهادية في حال تقدموا بطلب صريح.
وقال وزير الخارجية الفرنسي “لا نرى إلا إيجابيات في مساهمة جزائرية أكبر في العمل على تطبيق هذه الاتفاقات”.
وفي 2018 تم إنشاء صندوق تضامن بقيمة أربعين مليون يورو على مدى أربع سنوات لأحفاد الحركيين.
ويتضمن مشروع القانون إجراءات لمصلحة أرامل هؤلاء المحاربين القدامى.
وسيتم إنشاء لجنة مسؤولة عن المساهمة في جمع ونقل ذاكرة الحركيين وأقاربهم والبت في طلبات التعويض.
وفي يوليو الماضي طلب ثلاثة وثلاثون نائباً جمهوريا (يمين) بقيادة جوليان أوبير من إيمانويل ماكرون دفع “تعويض خاص” لصالح الحركيين.
وقدم أوبير وكتلته الجمهورية خصوصا سلسلة من التعديلات التي تعترف بـ”المسؤولية الكاملة والتامة” لفرنسا في التخلي عن الحركيين في الجزائر أو “الفصل الاجتماعي” الذي تعرض له هؤلاء المقاتلون وأفرادهم في فرنسا.
المصدر العرب