يرى خبراء ومحللون أن اعتراف الرئيس الفرنسي بمسؤولية الدولة الفرنسية في اغتيال وإخفاء جثة الشهيد العربي بن مهيدي ليس له أي قيمة تاريخية أو سياسية، مشددين على ضرورة تحمل ماكرون المسؤولية الكاملة عن جميع الجرائم التي ارتكبت إبان فترة الاحتلال.
قال البروفيسور مبروك كاهي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن خطوة ماكرون “لا يمكن وصفها إلا بالخسيسة”. وتابع في تصريح لـ”الخبر”: “اعتراف ماكرون هو محاولة يائسة لدغدغة مشاعر الجزائريين، تزامنت مع دعمه أطروحة المخزن في حل قضية الصحراء الغربية”. وأضاف: “ما يقوم به ماكرون هو اعتراف بالتجزئة رغم أن مجازر بلاده لا يمكن عدها ولا حصر ضحاياها”.
وتعد هذه المرة الثالثة التي يقر فيها ماكرون بالمسؤولية عن جرائم اغتيال. ففي مارس 2021، اعترف ماكرون رسميا بتعرض المناضل علي بومنجل للتعذيب والقتل على يد الجيش الفرنسي عام 1957، بعد أكثر من ستة عقود من تمسك السلطات الفرنسية برواية انتحاره.
وكان ماكرون قد اعترف سابقا في عام 2019 بمسؤولية الجيش والدولة الفرنسية عن مقتل عالم الرياضيات موريس أودان في الجزائر في جوان عام 1957، بعد تعذيبه بسبب مواقفه الداعمة للثورة والقضية الجزائرية.
من هذا المنطلق يرى كاهي أن “خطوة ماكرون لن تقدم شيئا بمسألة تخفيف التوتر بين الإليزيه والمرادية وعلى ماكرون تحمل المسؤولية الكاملة عن جرائم الإبادة التي لا تسقط بالتقادم مع ما حدث للجزائريين، بما فيها التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، وتسليم الخرائط الطبوغرافية لردم تلك النفايات النووية لتطهير المنطقة وإعادة تأهيلها من جديد”.
من جهته قال البروفيسور ولد الصديق مولود إنه من الجانب التاريخي يعد إقرار ماكرون دليلا على زيف الرواية الفرنسية في جميع الأعمال الإجرامية التي قادتها ضد ثورة التحرير واعتمادها نهج الاختباء وراء إظهار الحقيقة وقبلها عدم السماح بإظهار الأرشيف المؤرخ للأحداث، كان هذا هو مسار الحكومات المتعاقبة منذ خروجها من الجزائر، مؤكدا في تصريح لـ”الخبر” أن “اغتيال الشهيد العربي بن مهيدي الذي كان يمثل غصة وعقدة لدى جنرالات فرنسا بقيادة أوساريس كان فعلا عمدا مبرمجا ومخططا له”.
وتابع: “بغض النظر عن السياسة التي ينتهجها ماكرون حيال موضوع الذاكرة المبنية على التصالح والاعتراف، غير أن الأمر يظل أقل بكثير مما هو مأمول، فالواجب أن تعترف فرنسا بكل جرائمها وأن تعتذر اعتذارا رسميا على ذلك”. وختم ولد الصديق مؤكدا أنه من حيث السياق الزماني والسياسي الاعتراف له دلالة خاصة، فالإليزيه دوما يسعى إلى استغلال ورقة التاريخ لإحداث تقارب بعد يقينه أنه لا يمكن تجاوز الجزائر الدولة المحورية في المنطقة، لاسيما مع عجزه عن تحقيق نتائج واضحة من خلال زيارته الأخيرة إلى المغرب.
بدوره قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عمار سيغة إن الخطوة تأتي في إطار سلسلة المناورات التي يعتمدها ماكرون لاستعطاف الطرف الجزائري، خاصة بعد العزلة وتراجع مستويات النفوذ الإفريقي والمغاربي وتراجع المصالح الفرنسية في الجزائر، خاصة في الشق الاقتصادي والمشاريع التي كانت تحوز عليها دائما الدولة الفرنسية.
وأضاف في تصريح لـ”الخبر”: “أنها تمثيلية لتصوير الخطوة على أنها تنازل من فرنسا، لكن التاريخ واضح في هذا المجال والجزائر حسمت تاريخها قبل عقود وهو مدون في المناهج التربوية”.
وختم سيغة مؤكدا أن “الاعتراف لا حدث وهو محاولة للتشويش على الخبراء الجزائريين الذين هم بصدد الإعداد لملف من أجل استرجاع الأرشيف كاملا وأيضا تشتيت تركيز اللجنة المشتركة للذاكرة”.