هل تنجح الجزائر في ما فشِلَ فيه الآخرون؟.. سؤال يتردّد منذ اتفق الرئيس عبدالمجيد تبون مع رئيس سلطة الحكم الذاتي محمود عباس, عند زيارة الأخير العاصمة الجزائرية في السادس من كانون الأول الماضي, وإعلان تبون قرار بلاده «استضافة مؤتمر للفصائل الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الحوار بين الفلسطينيين» على ما قال.
وإذ لا أحد يشكّك في نيات الجزائر الصادقة إزاء هذا الملف المُعقد بل المُفخخ, وثيق الصلة بالصراع على الامتيازات والتفرّد بالقرار، سواء في ما خصّ حركة فتح (بما هي الحزب الحاكم في الضفّة الغربية المحتلّة), أم خصوصاً في ما يتعلّق بحركة حماس التي باتت تستشعِر نوعاً ما فائض قوة سياسية, بعد مواجهة معركة سيف القدس أيار الماضي، رغم تداعياتها الماثلة في قطاع غزّة.. حصاراً محكماً وإعادة إعمار ومعيشة ضنك وفقراً ومعاناةً. فإنّ المحاولة الجزائرية غير مُرشحة للنجاح لأسباب فلسطينية معروفة, لا علاقة للجزائر بها من قريب أو بعيد، رغم الضغوط التي سيُمارسها الجزائريون على المتحاورين, الذين لم يتخلّ أحدٌ منهم عن «الشروط» والخطوط الحمراء التي رسمها أو أُجبِر على رسمها من قبل أطراف إقليمية وامتداداتها الدولية.
وخصوصاً «ثوابت» إسرائيلية لم تعد خافية على أحد، خاصّة بعد اللقاء الذي جمع عباس بوزير الحرب الصهيوني غانتس في منزله المقام على أنقاض البلدة الفلسطينية المعروفة/رأس العين, حيث بات اسمها الصهيوني «روش هعايْن» وكان لافتاً استخدام مُتحدث السلطة الفلسطينية الاسم الصهيوني عندما نشر خبر لقاء عباس/غانتس.
ما علينا..
المُدقق في أسماء الفصائل «الستة» التي ستحضر حوار الجزائر نهاية الشهر الجاري, هي: فتح، حماس، الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية ــ القيادة العامة, يلحظ أنّ أربعة منها ليست أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية ولا تشارك في اجتماعات لجنتها التنفيذية (واحدة منها جمّدت عضويتها فيها، وهي الجبهة الشعبية، فيما تُمثل فيها فتح والديمقراطية فقط). ما يدعو للتساؤل عن «سِرّ» اقتصار الدعوة عليها، فيما تغيب أو تُغيَّب باقي الفصائل؟. ولا نحسب أنّ الجزائر حدّدت الأسماء والعدد, ما يلقي بظلال الشكّ حول «الوزن» الحقيقي للفصائل الأخرى الغائبة/المغيّبة، وإن كانت «حقيقة» أنّها فصائل هامشية أو تكملة عدد لإضفاء الشرعية على «حركة» ما, هي حقيقة معروفة في المشهد الفلسطيني المُحتقن والمأزوم, خاصّة بعد تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية وتقدّم قطار التطبيع على جدول الأعمال العربي, حتّى بافتراض انعقاد القمّة العربية المُقررة في الجزائر آذار القريب. دون أن تنجح مؤسسة القمة العربية منذ اليوم الأول لقيامها ستينات القرن الماضي, في إرساء أدنى حدّ من القواعد أو القواسم المشتركة بين الأنظمة العربية, التي لم تكتفِ بتهميش مؤسسة القمة ذاتها عبر عدم التزام الحضور على مستوى القمة سواء عبر المسؤول «الأول» أو الذي يليه بل بالغياب, ناهيك عدم الإلتزام بمقررات القمة او توصياتها.
ستة فصائل مُؤثرة بهذا الشكل أو ذاك، لكنّ ذلك لا يحجب حقيقة أنّ «القرار» لدى فصيلين فقط/فتح وحماس, احتكرا بل اختطفا القضية الفلسطينية وارتهناها وتنازعا الزعامة منذ العام 2007 (عام الانقسام عندما سيطرت حماس على قطاع غزة بعد مواجهة عسكرية, غامضة الأهداف والتوقيت والغايات.. في البداية كما النهاية).
وفي ضوء ما طرح كلّ منهما من شروط وما قدّماه من مذكرات وحلول مزعومة لإنهاء الانقسام, أو التقليل من تداعياته الكارثية على الشعب الفلسطيني ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، يمكن الخروج باستنتاجات لا نحسبها متسرعة أو متشائمة, بأنّ الفشل سيكون النتاج الأخير لأيام حوار الطرشان الذي لم يبدأ بعد في الجزائر, بل سبقته حوارات أخرى بمشاركة عدد كبير من هذه الفصائل التي استقالت من وظيفتها الأساسية وهي مقاومة الاحتلال, وباتت مجرد ملحق في حكم ذاتي بلا صلاحيات، خاصّة بعد أن أغلقت دولة العدو «مسار» المفاوضات واعتمدت نظرية جديدة اخترعها أحد مُنظّري اليمين الصهيوني العنصري/الاستيطاني.
نظرية تقوم على مفهوم «تقليص الصراع»، وليس إنهاؤه أو حتّى إدارته على النحو الذي مارسته دولة الاحتلال منذ العام 1967, حتّى توقيع اتّفاق أوسلو الكارثي، وخصوصاً بعده حتّى العام 2000, عندما اخترع ايهود باراك مقولة أن «لا شريك فلسطينيّ لإسرائيل”, وسار على هديها قادة العدو حتّى قدوم إئتلاف نفتالي بينيت الهجين الذي يطبق نظرية «تقليص الصراع».
يغيب «التشاؤل» حتّى عن التوقّعات في شأن ما سيُسفر عنه حوار الفصائل الفلسطينية الستّة، إن لجهة إصرار فتح على تشكيل «حكومة وحدة وطنية تلتزم الشرعية الدولية»، أم لجهة تمسّك حماس بنظرية «إصلاح منظمة التحرير وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ومجلس وطني في وقت واحد».
بقلم: محمد خرّوب
القدس