اختتمت بعد ظهر اليوم الاثنين أشغال الدورة غير العادية للبرلمان المجتمع بغرفتيه بقصر الأمم بنادي الصنوبر والتي تضمنت خطابا للأمة ألقاه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون.
وقد استعرض رئيس الجمهورية في خطابه الإصلاحات التي تم تنفيذها خلال الأربع سنوات من عهدته الرئاسية، مؤكدا أنه جعل من تعزيز الطابع الاجتماعي للدولة “نبراسا لكل الجهود المبذولة”.
وذكر في هذا السياق برفع الأجور وتأسيس منحة البطالة وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
أهم ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية:
أعبر لكم عن افتخاري بتواجدي اليوم أمام ممثلي الشعب اللبنة الأولى في إعادة البناء المؤسساتي التي كنّا نطمح إليها في جزائرنا الجديدة.
أشهد لكم بالنزاهة وأنكم أول برلمان انتخب بعيدا عن المال الفاسد.
هنيئا لنا جميعا بهذا البرلمان.
ننحني بإجلال أمام أرواح شهدائنا الأبرار الذين بذلوا دماءهم الزكية من أجل تحرير هذا الوطن المفدى.
نوجه تحية الإكبار لمن سار على دربهم وبقي وفيا لرسالة الشهداء الخالدة من أجل رفعة هذا الوطن وخدمة مصالحه وإعلاء كلمته.
إننا اليوم نأسس لسنة حميدة يوجه فيه المسؤول الأول في البلاد سنويا خطابا للشعب عبر ممثليه في البرلمان بغرفيه.
لم يتوجه أي رئيس للجمهورية بخطاب أمام البرلمان منذ خطاب الزعيم الراحل هواري بومدين عام 1977.
هذا الخطاب يأتي على غرار عرض بيان السياسة العامة للحكومة أمام البرلمان الذي التزمنا به ونفذناه طبقا لدستور الجزائر الجديدة بعدما كان في وقت سابق يعرض حسب النزوات.
لقد قطعت على نفسي منذ أن حملني الشعب مسؤولية قيادة البلاد أن أتخذ من الحوار البناء نهجا للعمل ومن المصارحة ثقافة لتسيير الشأن العام.
ما جعلني اليوم أبادر من خلالكم إلى مخاطبة الأمة الجزائرية عبر ممثلي الشعب لنقف معا على حصيلة ما قدمناه في سبيل تحقيق الأهداف النبيلة.
هذه الأهداف التي خرج من أجلها شعبنا الأبي في 19 فيفري 2019 مطالبا بالتغيير وضاربا أمثلة في التعبير السلمي والحضاري عن إرادته القوية في إنهاء الأزمة الخطيرة التي وضعت آنذاك مؤسسات البلاد على المحك بسبب تدهور الحكامة وتفشي الفساد وما تبعهما من تلويث للحياة السياسية وتكريس لمناهج استثمار استباحية للمال العام مما أدى إلى أزمة ثقة عميقة بين سلطة غائبة ومغيبة ومواطنين مقيدين خاب أملهم.
لقد كان انسداد الأفق السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة عشية فيفري 2019 كادت أن تعصف بمقومات أمتنا ويفسح المجال أمام الجهات المتربصة بأمتنا ووحدتنا لتلحق بها ما عجزت عنه خلال سنوات طوال غير أن الهبة الوطنية المباركة لشعبنا الأبي وتلاحما الجيش الوطني الشعبي معه أحبطا مخططات المتآمرين وبعثا من جديد حلم إنشاء جمهورية جديدة فخورة بماضيها ومتطلعها لمستقبل أفضل لأبنائها وشبابها.
لم يكن بوسعي بعد كل ما كابدته في سبيل التغيير أن أتخلف عن نداء الملايين من أبناء شعبنا المطالبين بإنقاذ بلادنا.
لم يكن البرنامج الذي قدمته للشعب الجزائري حينها إلا ترجمة وفية لتلك المطالب المشروعة التي ناد بها الحراك المبارك الأصيل والذي حظي بموافقة الشعب الجزائري خلال الانتخابات الرئاسية.
البرنامج الذي قدمته للشعب الجزائري أرضية لإطلاق مسار شامل لإحداث تغيير حقيقي يسمح بالتقييم الوطني ويتيح لشعبنا العيش في جزائر ديمقراطية ومزدهرة ووفية لقيم نوفمبر المظفر في ظل دولة ذات طابع اجتماعي.
لقد عاهدت الشعب الجزائري الذي قلدني ثقته الغالية أن أعمل دون هوادة من أجل التأسيس لجمهورية جديدة عبر نهج إصلاحي مبني على 54 التزاما تيمنا بنوفمبر 1954.
لأول مرة يكتب مترشح للرئاسيات التزاماته حتى يسمح لكل من يريد المحاسبة أن يحاسب.
الالتزامات الـ54 تتوزع على 05 محاور رئيسية شكلت خلال السنوات الأربع الماضية الإطار العام لعمل الحكومة ومؤسسات الدولة المختلفة.
المحاور الخمسة للالتزامات الـ54 تتمثل في تبني رؤية سياسية واضحة المعالم واعتماد خطة اقتصادية باعثة للنمو والتنمية وانتهاج سياسة اجتماعية وثقافية ملائمة لتحسين الإطار المعيشي للمواطن ووضع سياسة خارجية ديناميكية واستباقية باعثة لدبلوماسية متجددة وتنفيذ استراتيجية معززة للأمن والدفاع الوطني واسترجاع هبة الدولة ومحاربة الفساد وأخلقة الحياة السياسية والاقتصادية.
أشير إلى التحديات الجمة التي واجهت مسار تنفيذ هذا البرنامج بداية من الأزمة الصحية العالمية التي فرضت علينا مثل باقي دول العالم والتكفل المستعجل بمكافحة جائحة كورونا وآثارها السلبية على مختلف الأصعدة وخاصة الاقتصادية والاجتماعية.
لقد سيرنا الأزمة بنجاح وأدى الجيش الوطني الشعبي دورا رائدا في جلب اللقاحات والاحتياجات الصحية الضرورية التي استعصى تحصيلها على العديد من الدول.
لم يجد حينها الحاقدون والباغضون والمتربصون من بقايا العصابة سوى اللجوء إلى تخريب قارورات الغاز وصهاريج الأكسجين بالمستشفيات ونشر فيديوهات مزورة لتضليل الرأي العام والاعتداء على الطواقم الطبية لخلق حالة من انعدام الأمن وإحداث الشلل في المنظومة الصحية لتحقيق حلمهم الخبيث في زعزعة الاستقرار وانهيار الدولة وعرقلة بناء الجزائر الجديدة.
أمام كل هذا اتخذت قرارات لحماية الجيش الأبيض
تصرفات الحاقدين على هذا الوطن بلغت ذروتها بتفضيل مصالحهم على حساب حياة المواطنين وأرواحهم.
الأزمة بين روسيا وأوكرانيا ألقت بضلالها على الواقع الاقتصادي العالمي المتأزم نجم عنها ارتفاع جنوني في أسعار الطاقة والمواد الغذائية.
لجأت بقايا العصابة إلى خلق ندرة مفتعلة في المواد الغذائية وفي السيولة المالية لضرب الاستقرار وزرع اليأس لدى المواطن لزعزعة علاقة الثقة بينه وبين الدولة.
كل هذه التصرفات تدخل في تطبيق المخطط الذي كان مسطرا للجزائر قبل الانتخابات الرئاسية لما كان يسمى المرحلة الانتقالية والدخول في صف الدول العربية وغير العربية التي زعزع استقرارها إلى يومنا هذا.
رغم هذه الظروف وما صاحبها من تردي للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في جوارنا المباشر لم ندخر جهدا لبعث الحركية المطلوبة من أجل تنفيذ برنامجنا.
بداية تنفيذ البرنامج كانت بالإصلاحات الدستورية والسياسية الرامية إلى ترسيخ دولة القانون وتحصين مؤسسات الدولة ضد أي انحرافات مرورا إلى الإصلاحات الاقتصادية العميقة الهادفة لتنويع الاقتصاد وصولا إلى التكريس الفعلي للطابع الاجتماعي للدولة وتحسين مستوى معيشة المواطن.
كل هذا بالتوازي مع إطلاق ديناميكية استباقية للسياسة الخارجية ومواصلة تعزيز قدرات الدفاع والأمن الوطنيين صونا للأمة وحفاظا على مصالحها العليا.
في وقت سابق وصلت القروض البنكية لمدة سنوات إلى 5000 مليار دينار لم يسدد منها 10% فكان كل شيء كان يحول إلى الخارج.
لقد شكلت استعادة الثقة في مؤسسات الدولة الانشغال الرئيسي لعملية الإصلاح السياسي الذي عملنا على تنفيذها بشكل متدرج من المراجعة العميقة للدستور باعتباره الإطار المرجعي لترسيخ ركائز دولة القانون وتعزيز المؤسسات والممارسات الديمقراطية وخاصة عبر التحديد الصارم للعهدات الرئاسية والانتخابية بصفة عامة والتأسيس لفصل حقيقي بين السلطات وتعزيز الصلاحيات الرقابية للبرلمان واستقلالية القضاء وتقوية الضمانات المتعلقة بحماية الحريات والحقوق وترقية القضاء الدستوري بإنشاء محكمة دستورية بدلا عن المجلس الدستوري.
قمنا بسلسلة من الإصلاحات التشريعية التي سمحت بملائمة المنظومة القانونية مع الدستور الجديد وصولا إلى تنصيب مختلف الهيئات المستحدثة والعمل من أجل بروز جيل جديد من المجالس المنتخبة إثر الاستحقاقات التشريعية والمحلية.
لقد سمحت هذه الإصلاحات بإعطاء دفع قوي لالتزاماتنا بأخلقة الحياة السياسية وهيأت الظروف لاستئناف عمل مختلف المؤسسات في مناخ سليم يسوده القانون وتعلو فيه المصلحة العامة وتحفظ فيه الحقوق والحريات.
لم نتوان خلال هذه الفترة عن تكثيف الجهود لمكافحة الفساد بمختلف أشكاله ووضع حد لتبديد المال العام فضلا عن النتائج المرضية المحققة في سبيل استرجاع الأموال المنهوبة.
استرجعنا من الممتلكات والعقارات والوحدات الصناعية ما يفوق 30 مليار دولار.
بالنسبة للأموال المهربة إلى الخارج فلازلنا في اتصالات مع الدول الأوروبية في هذا الشأن وقد أبدوا استعدادا لمساعدة الجزائر لاسترجاع أموال الشعب التي هربت إلى بلدانهم.
في السداسي الأول من 2024، نكون قد انتهينا من مشروع الرقمنة.
أنهينا كابوس 26 ألف شركة وهمية كانت تنهب الخزينة العمومية.
أصبحنا نتوسط ترتيب البلدان المعروفة بمؤسساتها الناشئة، بعدما كنا في ذيل الترتيب.
نطمح حاليا إلى تصدير 5 ملايين طن من الحديد.
عندما يعمل منجم غارا جبيلات بكل قدراته، سنكون أول بلد يصدّر الفوسفات.
ما زلت عند عهدي لإيصال السكة الحديدية إلى تمنغست وسترتبط المنيعة أيضا بها.
ملتزم دوما بعدم الذهاب إلى المديونية.
بلدنا يتعافى اقتصاديًا واحتياطنا يفوق اليوم 70 مليار دولار وهو ضعف ما وجدناه تقريبًا.
نعم..لا يزال المشوار طويلًا، لكن الخطوات الأولى جاءت بنتائج جيدة وسنواصل العمل.
خلقنا معارض دائمة في بلدان شقيقة سمحت بالترويج للمنتوج الوطني دوليًا.
النمو الاقتصادي وصل إلى 4,2 بالمائة باعتراف من مؤسسات مالية دولية.
مؤسسات الأمم المتحدة ومؤسسات مالية دولية تضع الجزائر في دول المناعة ضد مشاكل التغذية والمديونية.
تُصنّع الجزائر اليوم 70 بالمائة من حاجياتها من الأدوية.
نسبة التضخم حاليا تعرف تراجعًا في الجزائر.
أوجه شكرا خاصا لشبابنا الذين لم يُبالغوا في طلب منحة البطالة.
لديّ ثقة عمياء في شبابنا وفي المجلس الأعلى للشباب الذي يمثلهم.
اتخذت قرارات مؤخرا مكرهًا وأنهيت مهام مسؤولين محليين تقاعسوا.
لم أتخل يومًا -منذ كنت مسؤولا بسيطًا- عن مناطق الظل.
أعمل من أجل جزائري كامل الحقوق من تيمياوين إلى حيدرة.
أبناء جاليتنا في صلب اهتماماتنا وكل الأبواب مفتوحة أمامهم.
تخفيض 50 بالمائة في أسعار تذاكر الرحلات الجوية لفائدة أفراد الجالية الوطنية بالخارج بهدف تمكينهم من قضاء شهر رمضان الكريم بأرض الوطن.
صوت الجزائر أصبح مسموعا في كل المحافل الدولية وسنواصل الدفاع بشراسة عن مبادئ ثورتنا التحريرية المجيدة ولن نتخلى عن الدول الضعيفة.
الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة وموقفنا من القضية الفلسطينية واضح ولن نتخلى عنه.
قضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، وهو ليس كرها في أشقائنا المغاربة لأن هذا الملف لا يزال مطروحا على مستوى لجنة تصفية الاستعمار للأمم المتحدة.
أتوجه بالشكر لـ184 دولة التي صوتت لصالح الجزائر لتولي منصب عضو غير دائم في مجلس الأمن للأمم المتحدة.
هذا الإجماع الدولي يشرف الجزائر التي ستقوم بدورها لصالح البلدان الإفريقية والعربية وكل الأشقاء.