أثار تقرير للخارجية الأميركية بشأن حقوق الإنسان نقاشات في الجزائر، بعد أن نبش في ملفات يعتبرها كثيرون من التابوهات في البلاد، ولقد أخذ ما جاء بخصوص وضع اليهود و”مجتمع الميم” حيزاً واسعاً من اهتمام واشنطن، ما فتح المجال للحديث عن ما اعتبره معارضو التقرير، أمر يدبر في الغرف المظلمة.
خرجت واشنطن عن المعهود عندما تناول تقرير خارجيتها السنوي بشأن الحريات مواضيع اليهود والمثليين في الجزائر، بشكل لافت، حيث انتقدت تجريم القانون الفحش العلني والعلاقات الجنسية المثلية بالتراضي بين الرجال والنساء البالغين، والقوانين والعقوبات التي تشمل السجن والغرامة لكل من أدين بارتكاب فعل مثلي.
وفي محاولة لجذب الدعم لفئة المثليين، أشار التقرير إلى أنه واجه الأشخاص من مجتمع “الميم” تمييزاً في الحصول على الخدمات الصحية، وأن المنظمات غير الحكومية أفادت بأن أرباب العمل رفضوا توظيفهم، لا سيما الرجال الذين يُنظر إليهم على أنهم مخنثون، وشدد على أن العداء ضدهم يتزايد وينبع عادة من جيل الشباب، وغالباً ما يتم ملاحقتهم وترهيبهم، وفي بعض الأحيان تتصاعد المضايقات إلى عنف جسدي.
وفيما يتعلق بملف اليهود، أبرزت الخارجية الأميركية أن الجالية واجهت عقبات غير رسمية قائمة على الدين، أمام التوظيف الحكومي، وصعوبات إدارية مع البيروقراطية الحكومية عند العمل، وأن الجزائريين يعادون اليهود.
الدفع نحو فتح النقاش
وتعليقاً على الاهتمام الأميركي بهذه الملفات، يعتبر الحقوقي سليمان شرقي، أن التقرير يصب في خانة الدفع نحو فتح النقاش مع المسؤولين وكذا المجتمع حول مواضيع تعتبر في الجزائر تابوهات صعب اختراقها، مثل التطبيع والمثلية، وقال إن “مجتمعنا على الرغم من سلبياته ومواقفه، فإن القضية الفلسطينية تشكل عنصر إجماع، والتطبيع مرفوض جملة وتفصيلاً مثله مثل المواضيع المتعلقة بما يسمى حقوق المثليين”.
وقال شرقي، رداً على سؤال حول هذا التناول الأميركي المتزايد، “لعل تزامن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، للجزائر مع الإفراج عن العشرات من النشطاء السياسيين والحراكيين أعطى الانطباع لدى الأميركيين بحدوث اختراق ما يستوجب استغلاله مع باقي المواضيع الأخرى، وقد ركزوا على ذلك على الرغم من أنها محض مغالطة، لأن سياستنا مناهضة للصهاينة، وليس لليهود”.
الضغط على غير الحلفاء
من جانبه، يقول الحقوقي الأممي، محمد خذير، إن ما جاء في التقرير بات يتكرر كل سنة، وأن الخارجية الأميركية معروفة بتقاريرها الموجهة للضغط على البلدان غير الحليفة، لا سيما هذه المرة، حيث موقف الجزائر إزاء الأزمة الأوكرانية غير مرحب به أميركياً، وعليه فمحتوى التقرير ليس مفاجئاً.
ويواصل خذير، بخصوص معاداة اليهود، أن “الشعب الجزائري لا يعادي اليهود، فهذا خطأ، بل يعادي الصهيونية، وبين هذا وذاك فرق كبير، لكن هم يتعمدون الخلط بين الأمرين”، مضيفاً أن واشنطن تقسو على الجزائر بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، وتبعث رسائل عدم الرضا، فالتقرير وسيلة للضغط ليس إلا.
تاريخ اليهود في الجزائر هو جزء من تاريخهم بشمال أفريقيا، ولعل أهم فترة عرفت حضوراً يهودياً كبيراً في المنطقة، هي القرن الخامس عشر الميلادي مع سقوط الأندلس وما تبعها من اضطهاد إسباني لليهود، الذين فضلوا الاستقرار في المغرب والجزائر وتونس، ثم فترة الاستعمار الفرنسي، الذي اعتمد سياسة استقطاب اليهود والأوروبيين للاستيطان في الجزائر، إذ تحصلوا في 1870 على الجنسية الفرنسية.
وفي السياق، أوردت الدائرة المركزية الإسرائيلية للإحصائيات أرقاماً تخص اليهود الذين غادروا الجزائر نحو إسرائيل، من 1948 إلى غاية 2014، ويبلغ عددهم الإجمالي 29 ألفاً و156 يهودياً، وبلغت ذروة المغادرة من 1961 إلى 1971، ما يقارب 13 ألف يهودي، بينما أدنى عدد سجل سنة 2013 بـ285 يهودياً، وثلاثة أضعاف هذا الرقم، أي 782 يهودياً، سنة 2014 ممن غادروا الجزائر من دون رجعة، وعلى الرغم من حساسية الأمور فإن وزارة الشؤون الدينية أعلنت في 2014، عن إعادة فتح المعابد اليهودية للعدد المتبقي منهم في الجزائر، وقالت إن الجزائر تذكر بمبادئ الجمهورية ودستورها الذي يتيح فتح هذه المعابد إذا توفرت الشروط الأمنية.
وكشف تقرير أميركي بشأن حرية ممارسة الأديان في العالم، عن وجود أقل من 200 يهودي بالجزائر، وأشار إلى شعور بعض اليهود بالراحة الاجتماعية بين جيرانهم المسلمين.
ورقة المثلية
أما ما يتعلق بالمثلية، فإن النشاط الجنسي بين الرجال والنساء يعتبر غير قانوني في الجزائر، ويُعاقب عليه القانون بحسب المادة 338 من قانون العقوبات التي تنص على أنه: “كل من ارتكب فعلاً من أفعال الشذوذ الجنسي على شخص من نفس جنسه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة مالية، وإذا كان أحد الجناة قاصراً لم يكمل الثامنة عشرة فيجوز أن تضاف عقوبة البالغ إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات وإلى غرامة مالية”، كما تنص المادة 333 على: “يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة مالية كل من ارتكب فعلاً علانياً مخلاً بالحياء، وإذا كان الفعل العلني المخل بالحياء من أفعال الشذوذ الجنسي ارتكب ضد شخص من نفس الجنس تكون العقوبة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية”.
وبسبب هذا الوضع، سعت منظمات دولية الضغط على الجزائر من أجل مزيد من الحرية فيما يتعلق بالمثلية، وطالبت بإلغاء المادة 338 من قانون العقوبات، لكن أعضاء نقابة القضاة في البلاد اعتبرت ” أنهم مجندون للدفاع عن حرمات الجزائريين والقوانين الوطنية ومواجهة كل من يريد تفكيك المجتمع الجزائري وضرب قيمه باسم حقوق الإنسان، وقالت إن المجتمع الجزائري مسلم ومحافظ وله خصوصياته، ولا يمكن تعديل قوانين بمواد لا تتطابق وخصوصيات كل مكونات المجتمع الجزائري”.
في المقابل، تعتبر جمعية “ألوان”، الممثل الرسمي للمثلية في الجزائر، أن مكافحة التمييز ضد المثليين والمثليات ومزدوجي ومتحولي الجنس الجزائريين، أحد الأهداف الرئيسة التي تعمل جاهدة من أجلها، مبرزة أن قانون العقوبات الجزائري يدين أي ممارسة جنسية مثلية من خلال المادتين 333 و338 مكرر، وأضافت أنه في الماضي لم يكن أحد يجرؤ على الحديث عن هذا الموضوع، الذي يعتبر من المحظورات الكبرى في الجزائر حتى من قبل أفراد مجتمع “الميم” أنفسهم.