لم يعمر الدفء الذي عاد إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية طويلا، فقد لاحت في الأفق نذر أزمة جديدة قد تأتي على الأخضر واليابس، ويجسد هذا، البرقية التي أوردتها وكالة الأنباء الجزائرية، والتي هاجمت من خلالها فرنسا بشكل قويّ.
ومما جاء في هذه البرقية: “إن هذه المعركة ضد الفساد لم ترُقْ للجميع، ابتداء من القوّة الاستعمارية السابقة، التي كانت على وفاق مع مدمّري الجزائر. فالمصالح الاقتصادية لفرنسا لطالما حظيت بالحماية والرعاية من قبل نظام بيروقراطي وقوى غير دستورية باعت الجزائر كقطع غيار للّوبيات الفرنسية”.
كما تحدثت أيضا عن “الأبواق الإعلامية للّوبيات الفرنسية، التي ما فتئت تقوم وباستمرار بتسويد صورة الجزائر، إذ يبدو أنهم مصابون بالعمى من حيث أنهم لا يبصرون إلاّ القطارات المتأخرة في حين أنّ هناك قطارات عديدة تأتي في وقتها”.
ليس هناك من سبب ظاهر لهجوم وكالة الأنباء الجزائرية على المستعمرة السابقة في هذا الظرف بالذات، غير أن ما هو مؤكد، هو أن تلك البرقية تعبر دون أدنى شك، عن وجود غضب كبير لدى السلطات الجزائرية تجاه السلطات الفرنسية، لأن الوكالة هي الواجهة الإعلامية الرسمية للسلطات الجزائرية.
ومن خلال تفكيك ما تضمنته البرقية المثيرة، تبرز رسائل موجهة لما هو رسمي وغير رسمي في المستعمِرة السابقة، بمعنى ما هو سياسي وإعلامي، وهما المؤشران اللذان يقودان المتابع للوقوف على خلفية هذا الهجوم الواضح.
ليس جديدا بالنسبة للموقف الرسمي في الجزائر التصدي لبعض القنوات والمؤسسات الإعلامية الفرنسية بسبب تحاملها، فقبل أيام قليلة هاجم الإعلام الرسمي مسلسلا أنجزته القناة الفرنسية الألمانية “ARTE”، تحت عنوان “الجزائر سري”، ووصفته بالمسلسل التخريبي، وقبل ذلك قناة “فرانس 24″، وقنوات أخرى.
وإن كانت ممارسات الإعلام الفرنسي تجاه الجزائر ليست بالجديدة، وهذا يشكل جانبا من الأسباب التي تقف خلف البرقية الأخيرة، إلا أن جانبا آخر سياسيا لم تتم الإشارة إليه، وهو تقرير حديث، صدر عن الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان)، تضمن قراءات جد مغرضة تجاه الوضع العام في الجزائر، بدا وكأنه مسيّس ويستهدف تحقيق غرض ما غير بريء.
ويدرك البرلمانيون الفرنسيون حساسية السلطات الجزائرية من مثل الإيحاءات التي تضمنها التقرير، والذي جاء غير متوازن، ولاسيما فيما تعلق بتقييمه للوضع السياسي والاجتماعي في كل من الجزائر وبعض دول الجوار، وعلى رأسها الجارة الغربية، المغرب.
وعلى الرغم من أن الوضع في الجزائر أفضل بكثير، ولاسيما من الناحية الاجتماعية، وفق ما جاء في التقرير الأخير للبنك الدولي، مقارنة بالمغرب مثلا، إلا أن تقرير البرلمان الفرنسي، قدم هذه الأخيرة على أنها “قطب للاستقرار” في المنطقة، فيما وصف الجزائر بأنها أمام وضع غير مستقر سياسيا.
ويأتي تقرير البرلمان الفرنسي الذي أودع على مستوى لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة الفرنسية بالغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي، في وقت تشهد الجارة الغربية احتجاجات شعبية بسبب موجة الغلاء التي تجتاح الشوارع المغربية، وما يزيد من حدة الشكوك حول نزاهة معديه، ومن ثم تحاملهم على الجزائر من دون مبرر مقنع.
ومن شأن هذا التقرير أن يخلط أوراق العلاقات الثنائية التي عادت إلى طبيعتها بعودة سفير الجزائر، محمد عنتر داود، إلى منصبه في سفارة الجزائر بباريس، مثل ما يؤشر على أن هناك أوساطا في المستعمِرة السابقة لا تزال تتربص بالعلاقات الثنائية، وتناور بجعلها مادة دسمة في سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية المرتقبة في أفريل المقبل، وهو التحذير الذي كان قد صدر على لسان أكثر من مسؤول جزائري.