يفصّل سفير فلسطين لدى الجزائر فايز أبوعطية، في اجتماع الفصائل الفلسطينية بالجزائر، الذي ينعقد هذا الثلاثاء، بالتأكيد أن فلسطين قاطبة لها الثقة الكاملة في مسعى الجزائر بأن لها دورا محوريا في القضية الفلسطينية. ويؤكد الدبلوماسي الفلسطيني في هذا الحوار مع “الشروق”، أن أسباب الفرقة بين الفصائل الفلسطينية هي “المصلحة الحزبية” ويحمل أطرافا إقليمية بالوقوف وراء الفرقة، ويتحدث عن قدرة الجزائر في إحداث اختراق والوصول لمصالحة وطنية فلسطينية.
وعن القمة العربية التي تنعقد في نوفمبر القادم في الجزائر، يؤكد السفير أنها “ستشكل أكبر تظاهرة دولية وإقليمية وعربية لفلسطين”، أما عن التطبيع الذي بدأته بعض الأنظمة العربية في السنتين الماضيتين فيؤكد أنه مرفوض ومدان ومضر بالقضية الفلسطينية، ويشدد أن قمة الجزائر من شأنها وقف مسلسل التطبيع.
تحتضن الجزائر لقاءات للفصائل الفلسطينية، الهدف منها تحقيق المصالحة، ما هي فرصة نجاح المسعى الجزائري؟
الجزائر بذلت جهودا استثنائية بمعنى الكلمة على مدار سنة، منذ الزيارة ما قبل الأخيرة للرئيس محمود عباس إلى الجزائر، في ديسمبر من السنة الماضية، حيث بدأت الجزائر التحضير لاتفاق المصالحة.
عندما أطلق الرئيس عبد المجيد تبون مبادرة، وافق الرئيس عباس عليها فورا، أولا لثقته في أن الجزائر تلعب دورا محوريا في القضية الفلسطينية، وتقديرا للدولة الجزائرية التي تريد أن تبذل هذا الجهد.
نحن نقدر للجزائر هذا الجهد، ونحن مقتنعون بأن المبادرة ستنجح وأن الجهود ستكون لها قيمة حقيقية تتمخض عن نتائج، نأمل أن تكون في صالح فلسطين والشعب الفلسطيني.
لكن، أوضّح وهذا لكل الأشقاء في الجزائر، الشعب الفلسطيني موحد وكله على قلب رجل واحد، والانقسام في الفصائل ولكن الشعب موحد على قضيته، وبالتالي نحن نريد لهذه المبادرة أن تنجح في توحيد الفصائل الفلسطينية لتتمكن من قيادة الشعب الفلسطيني لبر الأمان.
أليس معيبا وجود شقاق في الصف الفلسطيني؟
استمرار الانقسام بين الفصائل الفلسطينية أمر معيب ويشكل خطيئة كبرى وليس أمرا معيبا فقط، الانشقاق خطيئة بحق الشعب الفلسطيني وحق الشهداء والأسرى والجرحى، الذين يجب أن ننتصر لهم جميعا لشعبنا وشهدائنا وجرحانا وأسرانا، ننتصر لهم بتحقيق المصالحة.
الكل ينتظر أن نتمكن من تحقيق المصالحة، لأن تحقيق المصالحة يضع الشعب الفلسطيني على أرضية صلبة لمواجهة الاحتلال وبالتالي يجب أن ينتهي الانقسام.
أنا أذهب أبعد من ذلك، ما قيمة كل هذه التضحيات في ظل استمرار هذا الانقسام، الشعب الفلسطيني لا يقصر، يقدم التضحية والأخرى ويقدم نضالات كبيرة جدا، يريد أن يقدم كل هذه التضحيات من أجل تحقيق هدف معين وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
في ظل هذا الانقسام أعتقد أن الشعب الفلسطيني غير قادر على تحقيق أهدافه، لأن الوحدة قانون الانتصار، وإذا أردنا أن ننتصر لشهدائنا وشعبنا علينا أن نذهب لتحقيق المبادرة الجزائرية بتحقيق المصالحة.
- ما الذي عطّل تحقيق مصالحة فلسطينية، رغم تعدد المبادرات؟
المصالح الحزبية الضيقة هي ما عطّل المصالحة، هل هنالك فريق يريد تحرير فلسطين وفريق لا يريد هذه الغاية، كل الشعب الفلسطيني يود تحرير الأرض.
- هنالك اختلاف في طريقة تحقيق هذا الهدف؟
لا يوجد اختلاف، أنا أقول كلاما واثق منه، الجميع متفق على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، إذا كان الأمر يتعلق ببرنامج مقاومة فجميع فصائل المقاومة جاهزة لبرنامج يخدم القضية الفلسطينية.
إذا كان هنالك اختلاف فهو اختلاف على مصالح ضيقة، وتغذي هذا الشقاق بعض الجهات الإقليمية التي تريد أن تقنع طرفا على حساب طرف آخر أنه يستطيع أن يسيطر على المشهد الفلسطيني، ونحن نؤكد ألا أحد يستطيع أن يسيطر على المشهد الفلسطيني.
- لكن هنالك اختلاف بين فصيل يود المقاومة وآخر يريد نيل الاستقلال عبر مسار التفاوض؟
هذا لا يخضع لمزاجية الفصائل بل يخضع للاتفاق بين الفصائل على كيفية وشكل المقاومة في كل مرحلة من المراحل. حركة فتح مارست الكفاح المسلح في كثير من المراحل وتمارس المقاومة الشعبية في مراحل أخرى، وهنالك كذلك اتفاق بين الفصائل الفلسطينية أنه يجب الاتفاق على برنامج يضمن وحدة الفصائل في كيفية وآليات المقاومة، وهذا خاضع للاتفاق حتى لا يبقى حكرا على تنظيم بعينه.
المطلوب من الفصائل التوافق وآليات المقاومة حتى لا نُرهق الشعب الفلسطيني وحتى يشترك الشعب الفلسطيني جميعا في المقاومة، وإذا اتفقنا على برنامج المقاومة على أي شيء سنختلف؟
حماس تقول بالحرف الواحد نقبل بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وكذلك فتح تقول إنها تسعى لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، إذن ما الفرق بين الاثنين؟ إذا اتفقنا على دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران هل سنختلف على آليات المقاومة؟
أؤكد أن الاختلاف ناجم عن حسابات صغيرة، وعن مصالح شخصية، نأمل أن تراجع جميع الفصائل بعض مواقفها، وأن تضع نصب أعينها هدفا واحدا هو تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
- هل هذه النقاط ستكون مطروحة في لقاء الجزائر، الذي ينطلق الثلاثاء؟
كل ما هو متعلق بالقضية الفلسطينية سيتم طرحه، هنالك مبادرة من الأشقاء الجزائريين وورقة عمل تُقدم للفصائل، ونعتقد أنه سيكون هنالك توافق على هذه الورقة، لأن الجزائر وخلال سنة بذلت جهودا كبيرة من أجل الوصول إلى توافقات نأمل أن تخرج هذه التوافقات في ورقة تكون محل إجماع لجميع الفصائل.
- ما إلزامية هذا الاتفاق إن حصل وخاصة تطبيقه؟
الضمان هو المسؤولية التي تتحلى بها الفصائل، المسؤولية الوطنية والحرص على القضية الفلسطينية، لا أحد يستطيع أن يجبر الفصائل على تنفيذ ما اتفق عليه ما لم تتحل هي بإرادة ذاتية لتنفيذ الاتفاقية.
الأشقاء في الجزائر بذلوا كل الجهود من أجل إنجاز هذا الاتفاق، ولكن تنفيذ الاتفاق وتحقيق المصالحة يعتمد بالدرجة الأساسية على إرادة الفصائل الفلسطينية، إذا ما تحلت الفصائل بالإرادة الصلبة ستكون المصالحة ممكنة وجادة.
من الخلافات على سبيل المثال، أن حركة فتح تطالب بتشكيل حكومة توافق وطني، تعترف ببرنامج منظمة التحرير، وتلاقي قبولا دوليا، حركة حماس ترفض هذا الشكل للحكومة، بسبب عدم اعترافها باتفاقيات المنظمة الموقعة مع دولة الاحتلال، كما شددت حركة حماس على ضرورة عقد الانتخابات العامة، فيما تتبنى حركة “فتح” موقف عقد الانتخابات في حال توفر عقدها في القدس المحتلة، كيف السيل لتجاوز هذا الأمر؟
كل هذه القضايا هي نقاط تفصيلية يمكن الاتفاق عليها، الأهم أن نتحلى بالإرادة السياسية لتحقيق ما تم الاتفاق عليه، وجب التنبيه كذلك أن هذه القضايا تم الاتفاق عليها سابقا.
- لكن لم يتم تطبيقها، هنا المشكلة؟
المطلوب هو التنفيذ، وأن نتحلى بإرادة للتنفيذ، وباختصار الرئيس محمود عباس يريد حكومة وحدة وطنية تؤمن بالشرعية الدولية وتقر الشرعية الدولية حتى تستفيد فلسطين من قرارات الشرعية الدولية، وهذا تم التوافق عليه في مراحل سابقة مع حركة حماس.
- السلطة مستمرة في التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، وينظر لهذا الأمر أنه معيب، هل بالإمكان التخلي عنه، وأصلا ما موجبات التنسيق؟
جزء كبير من الشهداء الذين يقدمهم الشعب الفلسطيني هم من الأجهزة الأمنية، وجزء من الأسرى هم من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، عقيدة الأجهزة الأمنية عقيدة وطنية ولكن التذرع بأن التنسيق الأمني الغرض منه الإساءة للشعب الفلسطيني ولدولة فلسطين، وبالتالي الأجهزة الأمنية الفلسطينية عقيدتها وطنية ومطلوب أن تكون عماد دولة فلسطين، وهي تقوم بدورها من أجل حماية فلسطين والشعب الفلسطيني.
- تحتضن الجزائر القمة العربية غرة نوفمبر، وأطلقت عليها قمة فلسطين، ما المنتظر من القمة خدمة للقضية الفلسطينية؟
أعتقد أن القمة العربية ستشكل أكبر تظاهرة دولية وإقليمية وعربية لفلسطين، قمة لنصرة الحق الفلسطيني، القضية الفلسطينية وبكل صراحة حاول البعض تغييبها عن المشهد وطمسها وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي حرفت المسار ودفعت ببعض الدول العربية إلى التطبيع، الذي شكل خروجا عن مبادرة السلام العربية.
الجزائر والرئيس عبد المجيد تبون الذي نقدر له كل المواقف الشجاعة من أجل القضية الفلسطينية والأمة العربية، تريد إعادة القضية إلى الواجهة إلى مكانتها الحقيقية لدى الأمة العربية، لهذا تبذل كل هذه الجهود، وقالت الجزائر إن القمة ستكون قمة فلسطين بامتياز، ونحن واثقون بأن هذه القمة ستكون قمة فلسطين بامتياز وإن شاء الله ولا شك لدينا أن القمة ستفرز قرارات ومواقف تعيد الأمور إلى نصابها.
عندما يتم التأكيد على مبادرة السلام العربية التي تحرم وتجرم التطبيع مع إسرائيل قبل إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، هذا يعني إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي والتعامل مع الهرم بشكله الطبيعي وليس التعامل مع الهرم بشكله المقلوب.
نود أن تعود الأمور إلى نصابها، القمة تشكل منعطفا خطيرا، حيث تعقد في ظل التحديات التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية، لدينا ظرف استثنائي بكل المعايير، لننظر ماذا يحدث حولنا في ليبيا اليمن سوريا العراق والسودان، دول عربية تتعرض لمخاطر، نحن نعيش ظروفا استثنائية تمر بها الأمة العربية، زيادة على ذلك التحضيرات التي تقوم بها الجزائر اليوم هي تحضيرات استثنائية.
نتابع الجهود الكبيرة التي يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون لأنه يريد أن يصل إلى نتائج استثنائية، تحضيرات استثنائية لإنجاح قمة استثنائية والوصول لقرارات استثنائية تكون في مصلحة العرب وفلسطين.
اليوم الشعب الفلسطيني يدرك أن هنالك دولا عربية منشغلة بقضاياها الداخلية وتحتاج إلى حل ونحن لسنا أنانيين لأن تكون القمة لفلسطين فقط، قضايا أخرى لها علاقة بلم الشمل العربي، نأمل ونسعى ونجتهد أن توفق الجزائر للم الشمل العربي بما يحقق النفع والاستقرار لفلسطين.
هذه القمة بصراحة تختلف عن القمم السابقة، لو الجزائر أرادت أن تضيف رقما جديدا للقمم السابقة لأضافت رقما جديدا وانتهى الأمر، لكن الجزائر لا تريد رقما جديدا تريد قمة ذات نتائج ومضمون ومحتوى يعود بالنفع على كل الأمة العربية والإسلامية.
- دول عربية هرولت نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، ما الأثر الذي خلفته هذه الخطوة على القضية الفلسطينية؟
التطبيع مع الاحتلال مرفوض ومضر بالقضية الفلسطينية، هو يأتي بالدرجة الأساسية على حساب مبادرة السلام العربية التي قالت إنه لو يوجد تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وبالتالي أي خروج عن مبادرة السلام العربي يشكل خروجا عن الموقف العربي تجاه فلسطين. وليس سرا أن الجزائر في مقدمة الدول التي تسعى لوقف هذا التطبيع لأنه مضر بالقضية الفلسطينية.
- أعلنت الجزائر دعمها للطلب الذي تقدمتم به لنيل العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، هل وجدتم صدى لها المسعى؟
لا شك أن هذا دعم سياسي كبير، لا أريد أن أقول إنه غير مسبوق، لكنه دعم سياسي قوي من أجل فلسطين، ونحن نتذكر أن الجزائر هي أول دولة تعترف بفلسطين سنة 1988.
لما تطلب العضوية الكاملة ونجد هذا الدعم والتأييد وخاصة في إطار التحضير لعقد القمة العربية، أعتقد أن هذا سيكون مطلبا عربيا بالإجماع والجزائر بما شك ستلعب دورا محوريا في إسناد الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وهو حق للشعب الفلسطيني، حيث لا يمكن للأمم المتحدة أن تتجاوزه حتى وإن حاولت تعطيله الولايات المتحدة الأمريكية ولكن أعتقد أنها ستكون غير قادرة على الاستمرار في هذا التعطيل.
بقلم: عبد السلام سكية
الشروق