ترتبط الجزائر بعلاقات جغرافية، تاريخية (وشراكاتية) مع الاتحاد الأوروبي من دون أن يكون لتلك الأبعاد تأثير على طبيعة العلاقات، لتكون بخلفيّة المصالح المشتركة، باعتبار أنّ القضايا الخلافية أكثر بكثير ممّا يمكن أن يجمع بين الطّرفين. والفرصة سانحة، مع الزيارة التي أدّاها الأسبوع الماضي منسّق السّياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، لأوّل مرةّ منذ تعيينه في منصبه، في 2019، إلى الجزائر، لتقييم مؤشّرات تلك الخلافات ومدى تأثيرها على مستقبل التّعاون والشّراكة.
بداية، يجب وصف تلك القضايا الخلافية بأنها هيكلية وليست ظرفية، لأنّ إدراك الاتحاد الأوروبي طبيعة العلاقات مع بلدان الضّفّة الجنوبية للمتوسّط، في شمال أفريقيا، هي علاقات قطب اقتصادي كبير مع بلدانٍ تعاني من مؤشّرات الضعف الاقتصادي ومن إشكالات الأزمات المختلفة. وبالتالي، الاتحاد الأوروبي هو من يملي وتيرة العلاقة، شكلها ومضمونها، إضافة إلى شكل الترابط، وصولا إلى إقرار ما بات يعرف باللاتوازن في تلك العلاقة والطبيعة الهيكلية لجملة المشكلات أو القضايا الخلافية التي تُعالج بالمنطق الأوروبي ولصالحه، فقط، أي علاقات ذات اتّجاه واحد وبرابح واحد، ما يمكّننا من القول إنّ تلك العلاقة ليست تعاونية أو شراكاتية، بل ذات طبيعة فوقية، مصلحية للطرف الأقوى وبتوازن يبدو للجميع أنّه لصالح الاتّحاد الأوروبي باعتبار أنّه قطب اقتصادي، والبلدان التي يتعامل معها، في الفضاء المغاربي، ومنها الجزائر، بلدان من دون خلفية تكتُّل فيما بينها، أي أنّها ضحيّة لعلاقة ترابطية لا متوازنة، مصلحية وبرابح معروف سلفا، هو الاتّحاد الأوروبي لا غير.
أولى تلك القضايا الخلافية اتفاقية الشراكة التي ثبت فشلها من خلال عمليات تقييم قامت بها حكومات تونس (1995)، المغرب (1997) و الجزائر (2002)، وقد طالبت الجزائر بمراجعتها لإعادة التوازن إلى مكامن الخلل فيها، باعتبار أنّ المستفيد الوحيد كان الاتّحاد الأوروبي، من دون أن يكون لتلك الاتّفاقية تداعيات على نسبة الاندماج في المشاريع التّي استثمرت فيها شركات الاتّحاد، ومن دون تحويل للتكنولوجيا، ما جعل من البلدان المغاربية، والجزائر منها، سوقا للبضائع الأوروبية ومرتعا لشركات الاتّحاد بمزايا معاملة تفضيلية، تحفيزات ضريبية وإسقاط للتّعريفات الجمركية فتحت الباب، واسعا، أمام السّلع الأوروبية النهائية من ولوج السُّوق الجزائري، بل قضت تلك الاتفاقية، من ناحية أخرى، على بعض القطاعات النّاشئة والنّسيج الصّناعي، بمساوئه، لأنّ التّنافسية غير ممكنة مع سلع ذات جودة وأسعار غدت رخيصة بفعل كلّ الإجراءات التّحفيزية المذكورة.
ثاني القضايا الخلافية، تداخل التّناول السّياسي/ الاستراتيجي للإشكاليات الأمنية/ الدّفاعية بين الطّرفين، باعتبار أنّ المسؤول الأوروبي، عند قدومه إلى الجزائر، لم يكن مفوّضا، بصفة كاملة، للحديث بشأن تلك المسائل، لأنّ للطّرف الأوروبي قبّعتين يتحرّك، من خلالهما، هنا، وهما قبعة بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي) وقبّعة مبادرة 5+5 التي تجمع بين الدول المغاربية الخمس والدُّول الخمس للضّفّة الشّمالية للمتوسّط (مالطا، فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا) من دون أن نعلم، تمام العلم، بالنّسبة لهذه الإشكالات، مع من نتحدّث وهل للمنسّق الأوروبي تفويض للحديث حول المسائل الشّائكة على غرار السّاحل، ليبيا وقضايا الإرهاب، الهجرة غير الشرعية… إلخ، من القضايا ذات الاهتمام المشترك، مبدئيا، ولكن من دون نيّة الطرف الأوروبي توضيح طبيعة تلك القبّعة التي قد نوسّعها، كما نشاء، ونضيف لها قبّعة ثالثة هي قبعة حلف شمال الأطلسي (الأقوى من بين الأخريين، بقيادة أميركية وممثّل في الفضاء المغاربي والأفريقي “أفريكوم”) التّي تُعتبر جلّ الدّول الأوروبية أعضاء فيه.
هناك قضية خلافية ثالثة تتعلق، أساسا، بوضعية المهاجرين المغاربيين في الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً المهاجرين الجزائريين في فرنسا وعددهم كبير جدّا وتعتبرهم دول الاتحاد الأوروبي خزّانا انتخابيا (للمولودين في تلك الأقطار، المجنّسين، من أبناء الجيل الثاني، الثالث والرابع، الآن، في فرنسا) ولهؤلاء هوية مزدوجة وحقوق مهدرة في المعاملة، تحاول الجزائر، مع فرنسا، خصوصا، إعلاء الصوت بها والدفاع عن أبنائها،
للطّرف الأوروبي قبّعتان يتحرّك، من خلالهما، هنا، وهما قبعة بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي) وقبّعة مبادرة 5+5
أولى تلك القضايا الخلافية اتفاقية الشراكة التي ثبت فشلها من خلال عمليات تقييم قامت بها حكومات تونس (1995)، المغرب (1997) و الجزائر (2002)، وقد طالبت الجزائر بمراجعتها لإعادة التوازن إلى مكامن الخلل فيها، باعتبار أنّ المستفيد الوحيد كان الاتّحاد الأوروبي، من دون أن يكون لتلك الاتّفاقية تداعيات على نسبة الاندماج في المشاريع التّي استثمرت فيها شركات الاتّحاد، ومن دون تحويل للتكنولوجيا، ما جعل من البلدان المغاربية، والجزائر منها، سوقا للبضائع الأوروبية ومرتعا لشركات الاتّحاد بمزايا معاملة تفضيلية، تحفيزات ضريبية وإسقاط للتّعريفات الجمركية فتحت الباب، واسعا، أمام السّلع الأوروبية النهائية من ولوج السُّوق الجزائري، بل قضت تلك الاتفاقية، من ناحية أخرى، على بعض القطاعات النّاشئة والنّسيج الصّناعي، بمساوئه، لأنّ التّنافسية غير ممكنة مع سلع ذات جودة وأسعار غدت رخيصة بفعل كلّ الإجراءات التّحفيزية المذكورة.
ثاني القضايا الخلافية، تداخل التّناول السّياسي/ الاستراتيجي للإشكاليات الأمنية/ الدّفاعية بين الطّرفين، باعتبار أنّ المسؤول الأوروبي، عند قدومه إلى الجزائر، لم يكن مفوّضا، بصفة كاملة، للحديث بشأن تلك المسائل، لأنّ للطّرف الأوروبي قبّعتين يتحرّك، من خلالهما، هنا، وهما قبعة بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي) وقبّعة مبادرة 5+5 التي تجمع بين الدول المغاربية الخمس والدُّول الخمس للضّفّة الشّمالية للمتوسّط (مالطا، فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا) من دون أن نعلم، تمام العلم، بالنّسبة لهذه الإشكالات، مع من نتحدّث وهل للمنسّق الأوروبي تفويض للحديث حول المسائل الشّائكة على غرار السّاحل، ليبيا وقضايا الإرهاب، الهجرة غير الشرعية… إلخ، من القضايا ذات الاهتمام المشترك، مبدئيا، ولكن من دون نيّة الطرف الأوروبي توضيح طبيعة تلك القبّعة التي قد نوسّعها، كما نشاء، ونضيف لها قبّعة ثالثة هي قبعة حلف شمال الأطلسي (الأقوى من بين الأخريين، بقيادة أميركية وممثّل في الفضاء المغاربي والأفريقي “أفريكوم”) التّي تُعتبر جلّ الدّول الأوروبية أعضاء فيه.
هناك قضية خلافية ثالثة تتعلق، أساسا، بوضعية المهاجرين المغاربيين في الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً المهاجرين الجزائريين في فرنسا وعددهم كبير جدّا وتعتبرهم دول الاتحاد الأوروبي خزّانا انتخابيا (للمولودين في تلك الأقطار، المجنّسين، من أبناء الجيل الثاني، الثالث والرابع، الآن، في فرنسا) ولهؤلاء هوية مزدوجة وحقوق مهدرة في المعاملة، تحاول الجزائر، مع فرنسا، خصوصا، إعلاء الصوت بها والدفاع عن أبنائها، هناك.
الاتّحاد الأوروبي لا يبحث إلاّ عن مصالحه من دون اعتبار لمصالح الجزائر
أما قضية الهجرة غير الشرعية، فهي شائكة، لها طابعان، الأول منهما بريق العيش في رغد الاقتصاد الأوروبي، بفعل فشل السّياسات العامّة، خصوصا في التّشغيل، في الضّفّة الجنوبية للمتوسّط، وتعلو أصوات الأوروبيين، في هذا الملفّ، بأن تلعب الجزائر دول المناولة الأمنية في منع تمدُّد الظّاهرة، في إعادة المهاجرين غير الشرعيين، وفي منع الأفارقة من اتّخاذ الجزائر مركز عبور نحو الضّفّة الشّمالية للمتوسّط، وهي قضايا كلّها خلافية برؤى متناقضة بين الطّرفين، الجزائر والاتّحاد الأوروبي، وتبقى من دون أفق للحلّ، باعتبار أنّ الاتّحاد الأوروبي لا يبحث إلاّ عن مصالحه من دون اعتبار لمصالح الجزائر.
قضية خلافية أخرى مرتبطة بملف العلاقات الاجتماعية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، التنقل من دون صعوبات في منح التأشيرة بالنسبة للطلبة، الأساتذة ورجال الأعمال. ويبقى الملف ورقة ضغط من الاتّحاد الأوروبي في مقابل قبول الجزائر تقديم تنازلات في ما يخص مقاربة تناول قضية الهجرة غير الشرعية، المناولة الأمنية الخاصة بمراقبة تلك الهجرة انطلاقا من السواحل الجزائرية نحو أوروبا.
القضية الخلافية الأخرى المتّصلة بالطاقة التي تريدها الدُّول الأوروبية متواصلة، وبالسّعر العادل، بالنّسبة لها، وليس وفق قانون السُّوق الذي تطبّقه بشأن موادها الزّراعية أو الصّناعية، ولكنها تريد فرضه على الموارد الطّاقوية، بل تريد أوروبا فرض أجندتها المناخية بتمرير بعض الإجراءات الخاصة بالطاقة الأحفورية، سعيا نحو مصلحتين: الأولى، السيطرة على قطاع الطاقة وضمان تدفقها بالشروط التي تخدم تنافسية اقتصاداتها. الثانية، الإبقاء على الهيمنة التكنولوجية في مجال الطاقات البديلة التي تتطلب تكنولوجيا عالية الدّقة وتتمسّك دول الاتّحاد الأوروبي في عدم تحويلها، بل الاستثمار للاستفادة منها، حصرا، ومن دون السّماح للمورّد الأصلي، الجزائر، من اكتساب تلك التّكنولوجيا وتحويل قطاع الطاقة الخضراء (الشمسية والهيدروجينية، بصفة خاصة) إلى مادّة تبادل اقتصادي بشروط السُّوق، وبما يخدم التّعاون المتبادل، أي في مقابل توفير تلك الطّاقة تكوين الكادر البشري وتحويل التّكنولوجيا، وهي الخلفية ذاتها التي جعلت الجزائر تتردد، في 2009، عندما عرضت ألمانيا مشروع “ديزر تاك” لتوريد الطّاقة الشّمسية، باعتبار أنّ ألمانيا كانت تريد مئات الآلاف من الكيلومترات المربّعة في الجنوب الشّرقي (الأكثر تعرّضا للشّمس) من دون أن يكون للجزائر إمكانية في تقديم مقاربة الاستفادة المتبادلة بتحويل التكنولوجيا وتكوين الكادر البشري.
تُضاف، في الأخير، قضية خلافية هيكلية متّصلة بالخلاف الجزائري الإسباني الذي أراده منسّق السّياسة الخارجية للاتّحاد الأوروبي قضية خلافية جزائرية أوروبية، في حين أنه خلاف ثنائي، لم تمسّ الجزائر فيه بمبادئ العلاقة التّشاركية مع الاتّحاد الأوروبي، وفي مقدمها احترام الاتفاقات التجارية (توريد الغاز إلى إسبانيا)، كما أن الجزائر لم توسع الإجراءات العقابية الثُّنائية ضدّ إسبانيا إلى حد متابعة كلّ البضائع التي تنتجها الشّركات الإسبانية، حتّى التي توجد خارج بلادها وتورد السلع إلى الجزائر بعلامة الاتحاد الأوروبي، أو من خلال علامة بلد منشأ المصنع الذّي ينتج تلك السّلعة خارج إسبانيا.
تلك هي القضايا الخلافية ذات الطبيعة الهيكلية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، ولا تحتاج زيارة منسق للسياسة الخارجية غير مفوّض لتناولها، بل تحتاج قبول الاتحاد مبدأ مراجعة اتّفاقية الشّراكة، ومبدأ التّوازن في العلاقة التشاركية، وليس تركها غير متوازنة وبرابح واحد هو الاتّحاد الأوروبي، مع اقترابنا من ذكرى مرور زهاء عقدين على دخول الاتّفاقية حيّز التنفيذ (2025).
بقي التذكير، هنا، بأنّ زيارة منسّق السّياسة الخارجية، جوزيب بوريل، الجزائر جاءت في ظرف أظهرت فيه الجزائر موثوقية تعهُّداتها بتوريد الطّاقة إلى أوروبا، حيث نقترب من فصل الرّبيع (حين يعتدل الطقس). وبالتّالي، أوفت الجزائر بتعهُّداتها بشأن الطّاقة، فهل يكون هذا منطلقا لمراجعة الاتّحاد الأوروبي تعهُّداته إزاء الجزائر، أم أنّ الزيارة مجرّد بروتوكول لعلاقة ستبقى، هيكليا، غير متوازنة ولصالح أوروبا فقط؟
العربي الجديد