حملت مخرجات ثاني أكبر اجتماع لدول الجوار الليبي بمشاركة أفريقية وأممية، الذي احتضنته الجزائر لمدة يومين، الكثير من المؤشرات الإيجابية التي يرى فيها المراقبون خطوة إيجابية لحل واحدة من أعقد الأزمات في شمال أفريقيا.
وقد فتحت الجزائر أبوابها للمرة الثانية من أجل لقاء دول الجوار الليبي، لإيجاد حل. وقد خلص الاجتماع إلى إقتراح أربع مبادئ أساسية لتسيير الأزمة الليبية، وذلك لتمهيد الطريق لتنظيم انتخابات ليبية قبل نهاية عام 2021.
وركز اللقاء على ضرورة تفعيل الاتفاقية الأمنية بين ليبيا ودول الجوار ودعم الأجندة الليبية لضمان أمنها واستقرارها، وحماية حدود دول المنطقة، وشدد على ضرورة عدم تجاهل دور دول الجوار في استقرار ليبيا.
وقد حضر اللقاء كل من وزراء خارجية ليبيا، تونس، مصر، السودان، النيجر، تشاد، جمهورية الكونغو، إلى جانب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط، ومفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن بانكولي أديوي.
ويرى الخبراء والمراقبون أن اجتماع الجزائر الثاني، يحمل تقاربا كبيرا في وجهات النظر، وقد جاء في ظل ظروف سياسية مختلفة على الأرض الليبية، غير أن الرهان يبقى قائما على مدى استجابة القوى المتنازعة داخليا.
وقال المحلل السياسي التونسي حسان القبي لموقع “سكاي نيوز عربية” إن اجتماع الجزائر هو خطوة هامة نحو تحقيق عملية السلام الليبية التي عرفت عدة محاولات لجمع الفرقاء الليبين على طاولة الحوار، سواء في لقاء تونس أو برلين.
وأوضح الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية أن ليبيا تدخل اليوم مرحلة جديدة، ولدت على خلفية تحديات كبيرة، وقد جاء لقاء الجزائر ليضع أساس الحل النهائي للأزمة، سواء عبر المسار العسكري 5+5 و المسار السياسي والمسار الاقتصادي من أجل توحيد البنك المركزي الليبي.
وقال القبي :”إن أهم المقترحات المطروحة اليوم والتي تبدو مستعجلة جدا هي مسألة خروج المرتزقة الأجانب والقوات الأجنبية في لييبا”.
وأكدت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش أن اجتماع الجزائر توصل إلى تقديم آلية انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، مع التوصل إلى قرار تفعيل الاتفاقية الرباعية بين ليبيا ودول الجوار لتأمين الحدود المشتركة.
ويأتي هذا الحوار ضمن آلية انتجت عام 2014، وكان هدفها الأساسي المساهمة في تقريب وجهات النظر ومساعدة الليبيين في إيجاد مخرج للمازق الذي يعيشونه منذ عشر سنوات.
غير أن العديد من المبادرات تعطلت بسبب الأوضاع التي عرفها العالم وتدخل الفواعل الأجنبية في الأزمة الليبية من خارج المحيط المجاور لليبيا، وهو ما استدعى ضرورة عودة الجزائر لها لإيجاد حلول لتلك التعثرات.
وأكثر ما يميز هذه الآلية في الاجتماع هو التقارب الكبير الموجود بين مصر والجزائر في المرحلة الحالية، حيث كان هناك نوع من الخلاف بخصوص الأجندات والرؤية لحل الأزمة الليبية بين الخيار السياسي القائم على الحوار وبين الخيار العسكري الذي دعمته مصر في مرحلة معينة.
ففي السابق، طفا نوع من التنافس بين الجزائر ومصر في ليبيا، خاصة على الصعيد السياسي، حيث يتقاسم البلدان الحدود الشرقية والغربية لليبيا، وسط تضارب مصالح بينهما.
ويصف أستاذ العلاقات الدولية توفيق بوقعدة اجتماع الجزائر بـ”الناجح”، وقال لموقعنا: “ما جاء في البيان الختامي للاجتماع هو أمر إيجابي جداً، ولكن الأزمة ليست مرتبطة بالدول التي اجتمعت وإنما بالقوى الموجود في الداخل وقدرتهم على الاستجابة إيجابا والتفاعل مع ما جاء في مخرجات هذا الحوار”.
وأضاف: “على الأطراف الليبية الإسراع في إيجاد آلية للانتخابات والقيام بها في تاريخها المحدد، الأمر ليس بيد الجزائر وحدها وليس دور دول الجوار بقدر ما يتعلق الأمر بالجهد الجماعي، وتأخر أي طرف سوف يفشل جميع الحلول حتى وإن كانت النوايا جادة و المبادرات قيمة”.
وقد جاءت الدعوة لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في ليبيا بعدما توصلت الأطراف المتنازعة لاتفاق وقف إطلاق النار في أغسطس عام 2020، وهو ما دفع نحو تشكيل حكومة انتقالية برعاية الأمم المتحدة، والتي تقوم الآن بالتحضير لتنظيم الانتخابات.
وقد أبدت الجزائر استعداداها لتقديم الدعم لليبيا في عملية تنظيم الانتخابات، وذلك بالتزامن مع استقبال ليبيا للمراقبين الدوليين الذين سيشرفون على مراقبة الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر.
في هذا الصدد، أكد النائب البرلماني الجزائري عزيز عبد القادر لموقع “سكاي نيوز عربية” أن استقرار الجزائر من استقرار ليبيا والعكس كذلك.
وقال النائب الجزائري: “قد يبدو ظاهريا أن المهمة صعبة نظرا لـتدخل عدة أطراف دولية في الصراع، لكنها ليست مستحيلة نظرا لحنكة وخبرة الديبلوماسية الجزائرية وثقلها الإقليمي”.
وتقوم الجزائر بتكثيف جهودها لحل الأزمة الليبية بكل الطرق السليمة والاستخباراتية، وهي تنظر لليبيا باعتبارها العمق الاستراتيجي للجزائر وخاصة أن طول الحدود بين البلدين يقارب الـ1000 كم.
ومؤخرا، اتفق رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على فتح المعابر الحدودية بين البلدين، وهي خطوة ينظر إليها كرسالة واضحة من الجزائر لتقديم الدعم لليبيا ومساعدتها على إيجاد حل سريع للأزمة دون الوقوع في فخ الدم.
وبعد اجتماع الجزائر، تتجه الأنظار الآن نحو الاجتماع التشاوري المزمع عقده نهاية شهر سبتمبر، والذي سيضم دول جوار ليبيا والدول الصديقة، وسيناقش الشق الامني الخاص بليبيا قبل تنظيم الانتخابات التاريخية.
سكاي نيوز