لم يكن من المتوقع أن يصير الأوكسجين الطبي عملة نادرة في العالم أجمع، وليس في تونس فحسب. لكنّ الحاجة إليه وفقدانه يختلفان من بلد إلى آخر، وفقاً للإنتاج المحلي وللاستيراد وكذلك وفقاً للوضع الوبائي ووتيرة انتشار فيروس كورونا الجديد في كلّ واحد من البلدان.
تفيد وزارة الصحة التونسية بأنّ البلاد تنتج 100 ألف لتر من الأوكسجين يومياً، إلا أنّ استهلاكها وصل إلى 170 ألف لتر يومياً، نتيجة ارتفاع الإصابات بالفيروس. ويؤكد المعنيون في القطاع الصحي أنّ حاجة المؤسسات الاستشفائية العمومية إلى الأوكسجين تضاعفت ستّ مرات منذ مارس/ آذار الماضي، مقارنة بما هي الحال في الأوضاع الطبيعية، أي بعيداً عن أزمة كورونا. يأتي ذلك بعدما بلغت نسبة إشغال أسرة العناية المركزة البالغ عددها 380 سريراً نحو 91 في المائة، في حين بلغت نسبة إشغال الأسرة المزودة بالأوكسجين والبالغ عددها 2127 سريراً نحو 80 في المائة. وقد دفع ذلك تونس إلى استيراد شحنات من الأوكسجين من الجزائر في خلال الأسبوع الأخير من إبريل/ نيسان الماضي، عبر معبر بوشبكة الحدودي في ولاية القصرَين (وسط). وراحت الشاحنات التونسية تعبر الحدود لتتزود بالأوكسيجين ثمّ تعود أدراجها لتوزّعه على المستشفيات في مختلف الجهات التونسية، بحسب حاجة كلّ مستشفى على حدة. وقد استلمت تونس منذ ذلك الحين نحو 200 ألف لتر من الأوكسجين، علماً أنّ الإمدادات سوف تتواصل من الجزائر في خلال الأيام المقبلة، بحسب ما تشير وزارة الصحة.
ونقص الأوكسجين في مستشفيات عديدة أثار مخاوف كبيرة لدى التونسيين، ومن بينها مستشفى الهادي شاكر في صفاقس (وسط). فقد نُقل 30 مريضاً من هذا المستشفى إلى المستشفى العسكري الميداني في المنطقة نفسها، بسبب تسجيل نقص في الأوكسجين، إلى حين تزويد المستشفى في وقت لاحق بكميات تكفي كل شاغليها، من مصابين بكوفيد-19، وغيرهم من المرضى الذين يحتاجون إلى أوكسجين. وحول أزمة نقص الأوكسجين في المستشفيات العمومية، قال وزير الصحة فوزي المهدي في مداخلة قام بها في البرلمان التونسي في 27 إبريل الماضي، إنّه “بفضل دولة الجزائر تمّ حل مشكلة النقص في الأوكسجين، بعدما مكّنت تونس من كميات إضافية من الغاز المعدّ لتصنيعه، والإمدادات ما زالت متواصلة”.
ولا يقتصر البحث عن الأوكسجين الطبي على المستشفيات فقط، فعائلات تونسية عديدة تضطر إلى شراء عبوات أوكسجين أو أجهزة مولدة للأوكسجين بهدف استخدامها في البيت. وهو ما جعل تجارة الأوكسجين مربحة بالنسبة إلى كثيرين يعرضون بيع أو تأجير تلك العبوات والأجهزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتنشر صفحات خاصة على موقع “فيسبوك” عروض تأجير وأرقام هواتف لمالكي تلك المعدات بأسعار تساوي ضعفَي ما كانت عليه قبل ظهور وباء كورونا. فأسعار بعض مولدات الأوكسجين بلغت ألف دولار أميركي تقريباً، في حين لم تكن تتجاوز 400 دولار. يُذكر أنّ أفراداً ينشرون تلك الإعلانات وليس فقط الشركات المتخصصة، في حين تُنشَر نداءات من قبل أشخاص يبحثون عن عبوات أوكسجين لأحد ذويهم المصابين بالفيروس. وفي سياق متصل، ارتفع الإقبال على أجهزة قياس الأوكسجين بالنبض التي تُستخدم منزلياً ويستطيع المرء حملها معه إلى أيّ مكان، فهي أجهزة صغيرة يسهل استخدامها من خلال تثبيتها على أحد أصابع اليد.
يخبر منير جاب الله، أنّه عمد إلى شراء عبوة أوكسجين في يناير/ كانون الثاني الماضي، على الرغم من عدم إصابة أيّ من أفراد عائلته بالفيروس. ويشرح جاب الله لـ”العربي الجديد” أنّه اقتناها “تحسّباً لإصابة أيّ منّا بفيروس كورونا، لا سيّما أنّ والدَيّ من كبار السنّ ومصابان بأمراض مزمنة”. ويلفت إلى أنّ زوجته أصيبت بعد ذلك بالفيروس “ولم ينقصها الأوكسجين. وقد شعرت بنوع من الطمأنينة إذ لم نكن في حاجة إلى التنقل والبحث عن الأوكسجين أو سرير عناية مركزة في أحد المستشفيات. هي اكتفت بمتابعة يومية من قبل طبيب خاص لأنّني وفّرت الأوكسيجين في المنزل”.
بدوره، اقتنى مختار النموشي مولّد أوكسيجين بنحو 1200 دولار قبل ثلاثة أشهر تقريباً، موضحاً لـ”العربي الجديد” أنّه عمد إلى ذلك “بعد تسجيل ارتفاع في عدد الإصابات في تونس وبعد تداول أخبار عن اكتظاظ المستشفيات ونقص الأوكسجين في مراكز صحية عديدة”. يضيف النموشي: “أنا مصاب بداء السكري وأعاني من صعوبة في التنفس، لذا رأيت نفسي مضطراً إلى الاقتراض للتزوّد بهذا الجهاز بالإضافة إلى توفير كمية من أدوية تقوية المناعة وأخذ كلّ الاحتياطات اللازمة مخافة الإصابة بالفيروس وتدهور صحتي”.
وعلى الرغم من أنّ التونسيين يعبّرون عن مخاوفهم إزاء الوضع الوبائي في البلاد، من جرّاء ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات بالإضافة إلى اكتظاظ الأقسام المخصصة لمصابي كوفيد-19، فإنّهم لا يلتزمون بالتباعد الجسدي ولا بأيّ من الإجراءات الوقائية التي تفرضها وزارة الصحة. ويؤكد متخصصون كثر أنّ من أسباب ارتفاع العدوى انتشار المتحوّر البريطاني من فيروس كورونا الجديد وعدم تقيّد المواطنين بالإجراءات الصحية الوقائية. يُذكر أنّ تحصين عدد كبير من كبار السنّ جعل أكثر الحالات المسجلة أخيراً في صفوف من هم أصغر سناً. ومن جهة أخرى، قرّرت وزارة الصحة وقف العمليات الجراحية كافة، إلا في الحالات الطارئة وتلك المرتبطة بأمراض سرطانية لمدّة شهر، ابتداءً من الرابع من مايو/ أيار الجاري.