استقبل الإعلامُ المأجور إعلان السلطات الجزائرية عن إفشال مخطط صهيوني مغربي بالتواطؤ مع منظمات محظورة لضرب استقرار الجزائر وإثارة حرب أهلية طائفية، بكثير من التهكّم، وجاراهم في ذلك بعض التافهين الذين لا يمثّلون رأسا ولا ذنبا في المعادلة السياسية. إن التخطيط الصهيوني لضرب الجزائر ليس أمرا جديدا؛ فقد خططت إسرائيل لذلك منذ سنوات ولهذا الإصرار الصهيوني على استهداف الجزائر أسباب، أذكر منها:
السبب الأول: هناك إجماعٌ صهيوني منذ ميلاد ما يُسمَّى “الدولة العبرية” بعد نكبة 1948 بأن الجزائر تمثل الطرف العربي العصيّ على إسرائيل وغير القابل للتطويع، وقد كشفت تقارير صهيونية بأن كراهية الجزائريين للكيان الصهيوني تمثل الحالة الأكثر إحراجا لإسرائيل، ولهذا السبب يحرص الإعلام الصهيوني على دراسة الحالة الجزائرية والبحث عن أنجع الطرق لاستمالة أو احتواء العنصر الجزائري الذي يعيق ويُجهض المخطّطات الإسرائيلية في إفريقيا والمنطقة العربية.
السبب الثاني: كان لسكّان المغرب العربي حضورٌ في القدس؛ فحارةُ المغاربة قد حملت هذا الاسم تكريما وتشريفا للمقاتلين من هذا الجزء الشمال إفريقي من الوطن العربي الذين استقدمهم صلاح الدين الأيوبي واستعان بهم لتحرير القدس والمسجد الأقصى. لهذا السبب، حمل السياسيون والعسكريون الإسرائيليون ما جاء في الأرشيف المقدسي عن سكان المغرب العربي على محمل الجدّ وفكروا وخطّطوا لإضعاف المغرب العربي من خلال إيجاد حليفٍ استراتيجي، وقد نجحوا في إيجاد الحليف ولكنهم اصطدموا بخصم شرس اسمه الجزائر لا يساوم على المبادئ فاتخذوها هدفا لهم ووجّهوا إليها سهامهم وجعلوا تقويضها وترويضها من أولوياتهم.
السبب الثالث: إن عقيدة الجزائريين وموقفهم من فلسطين عقيدة ثابتة وهذا أمرٌ أرعب إسرائيل ودفعها إلى التفكير في كسر شوكة الجزائر عند أول فرصة سانحة، وقد جاء المخطط الإجرامي الأخير الذي تم إحباطه كخطوة صهيونية أولى للانتقام من خصم تاريخي اسمه الجزائر.
السبب الرابع: راهنت إسرائيل على الربيع العربي وعلى الحَراك الشعبي لكي يُحدث انقلابا في منظومة الحكم في الجزائر بحيث يسمح هذا الانقلاب بتأسيس نظام جزائري بديل موال لإسرائيل أو على الأقل غير معاد لها، ولكنها خسرت الرهان؛ فقد مر الربيع العربي بردا وسلاما على الجزائر وما أعقبه من تغيير كان من وحي الإرادة الجزائرية وليس من خارجها، كما جاء الحَراك الشعبي مؤكدا على استمرارية الدولة واستمرارية الثوابت وبذلك خسرت إسرائيل الرهان وازدادت قناعتها بأن كسر شوكة الجزائر لا يتحقق إلا بصناعة حليف شمال إفريقي وتحريك أذنابها وبيادقها من الداخل.
السبب الخامس: يراهن الكيان الصهيوني -من أجل تحقيق مخططه لتطويع الجزائر وجرها إلى التطبيع- على اللوبي اليهودي وبخاصة يهود المغرب الذين يشكلون نسبة لا بأس بها من الديموغرافيا الإسرائيلية والذين يأتون من حيث التعداد في المرتبة الثانية بعد اليهود الروس، ويعوِّل الكيان الصهيوني على اليهود المغاربة وخاصة المتشبعين منهم بالفكر الصهيوني والأكثر ارتباطا بالدولة العبرية من أجل لعب دورهم عبر كل الوسائط وبكل الوسائل للتسويق لما يسمونه “الإخاء المغاربي الإسرائيلي” الذي قد تنتج عنه استجابة مأمولة من الشباب الجزائري لكسر ما يسمونه غائلة العداء الجزائري لإسرائيل، ولم تفلح إسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية ووسائلها الإعلامية في تحقيق ذلك لأن الشباب الجزائري على خطى أسلافهم في دعم القضية الفلسطينية ورفض الاحتلال الإسرائيلي.
ويثير وليد عبد الحي خبير الدراسات الاستشرافية المستقبلية فكرة أن “المغرب الجديد” الذي صنعه التطبيع سيشكل قاعدة أمامية صلبة للكيان الصهيوني في المنطقة المغاربية والذي سيتيح لإسرائيل الاقتراب أكثر من منطقة التماس مع الجزائر. إن المغرب الجديد الذي كتب عنه وليد عبد الحي هو المغرب الذي يعتبر –كما جاء في الدستور المغربي الجديد (المعدل في 2011) التراث العبري- اليهودي جزءا من مكونات التراث المغربي، ومن المنطقي –حسب النظرة الصهيونية- أن يتحالف المغرب الجديد مع إسرائيل ضد الجزائر وبالتالي تنتهي-حسب زعمه- أسطورة اسمها الجزائر وتتحقق هيمنة إسرائيل على المنطقة المغاربية.
السبب السادس: الجزائر هي بوّابة إفريقيا، ومصطلح البوابة هنا يتجاوز التموقع الجغرافي ليشمل العمق التاريخي والثقل الدبلوماسي، فالدبلوماسية الجزائرية في إفريقيا دبلوماسية رائدة لا يمكن تجاوز أثرها في صناعة الموقف الإفريقي، ومن أمارات ذلك تأثير الدبلوماسية الجزائرية في توجيه السياسة الدفاعية المشتركة لدول الساحل بما يخدم مصلحة إفريقيا وتدخُّلها الإيجابي لحلحلة الوضع في ليبيا وغيرها من مناطق الصراع في إفريقيا من أجل جعل الحل إفريقيا بعيدا عن أي تدخل أجنبي.
إن الدور الدبلوماسي والاستراتيجي الذي تقوم به الجزائر في شمال إفريقيا بل في عمق إفريقيا سيجعلها هدفا إسرائيليا بكل تأكيد وخاصة أن إسرائيل تستحضر الدور الكبير الذي تؤدّيه الجزائر لحرمانها من صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، وهي الصفة التي حظيت بها إسرائيل منذ أشهر، وقد استوعبت إسرائيل هذا الدرس الجزائري البليغ وأيقنت بأن الخطر الأكبر يأتيها من الجزائر، ولذلك فإن الحل الأمثل هو استهدافها بأي طريقة.
السبب السابع: تناغم الموقف الشعبي والرسمي في الجزائر حيال التطبيع وعدّه خيانة وجريمة في حق الدين وفي حق فلسطين وفي حق التاريخ وفي حق الجغرافيا، على خلاف التباين الحاصل بين الموقفين الشعبي والرسمي من التطبيع في الدول التي اختارت طريق التطبيع. قال السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون في مقابلة مع صحف جزائرية كلمة حول التطبيع أغضبت إسرائيل وأذلت كبرياءها: “نلاحظ نوعا من الهرولة نحو التطبيع، نحن لن نشارك فيها ولا نباركها، والقضية الفلسطينية عندنا في الجزائر تبقى قضية مقدّسة، وهي أمّ القضايا”.
السبب الثامن: تتذرّع إسرائيل باستهداف الجزائر بما تسميه التقارب الجزائري الإيراني، وهو التقارب الذي تزعم أنه يهدد أمنها القومي ومن حقها الدفاع عن نفسها، ويبدو أن إسرائيل التي دأبت على حشر أنفها في الشؤون الداخلية للدول قد اصطدمت هذه المرة بدبلوماسية جزائرية صلبة مبنية على مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم السماح للآخرين بالتدخل في شؤونها.
الشروق