واجه نابليون خطر الموت عديد المرات في ساحات القتال، لكن ما لا يعرفه كثيرون عن القائد الفرنسي الشهير أنه كاد يموت منتحرا في أكثر من مرة.
في تقرير نشرته مجلة “لوبوان” (lepoint) الفرنسية، يسلط الكاتب مارك فورني الضوء على كتاب “نابليون وجها لوجه مع الموت” (Napoléon face à la mort)، الصادر مؤخرا للمؤرخ آلان فريرجان.
ويؤكد فريرجان أن نابليون اقترب من الموت في 30 مناسبة لأسباب متعددة منها الغرق والتدريبات الحربية والمعارك ومحاولات الاغتيال، فضلا عن عدد من محاولات الانتحار.
ويذكر المؤرخون أن نابليون تناول السم ليلة 12 أبريل/نيسان 1814 بعد تنازله عن العرش في فونتينبلو، لكن فكرة الانتحار راودته منذ شبابه، وفقا لفريرجان.
وقد عبر نابليون عن رغبته في الانتحار في مذكرات كتبها قبل أن يتجاوز سنه الـ16 عندما كان في إحدى الثكنات العسكرية في فالانس، بعيدًا عن كورسيكا وعن عائلته.
وقد كتب في تلك المذكرات “الحياة عبء عليّ لأنني لا أشعر بأي متعة، وكل شيء يؤلمني. ما هذا الغضب الذي يقودني إلى تدمير نفسي؟ بما أنني يجب أن أموت، ألا يستحق الأمر أن أنتحر؟”.
الهروب من العار
يؤكد فريرجان في كتابه أن الشعور بالكآبة عاد ليطارد نابليون من جديد خلال الثورة الفرنسية عقب استبعاده من منصبه قائدا للجيش، مما ولّد لديه شعورا بأنه فاشل ومنبوذ وعديم الفائدة.
وقد جُرّد نابليون من منصبه بسبب رفضه إطلاق النار على المدنيين في “حرب فونديه”. وفي رسالة بعث بها إلى شقيقه في أغسطس/آب 1795، كتب “إذا استمر هذا يا صديقي، سوف ينتهي الأمر بأن لا أتحرك من مكاني إذا رأيت عربة قادمة باتجاهي”.
وحسب المؤلف، فإن استئناف الحملات العسكرية أدى إلى طرد تلك الأفكار القاتمة من ذهن نابليون، مما يعني أن خيار الانتحار كان بالنسبة له طريقة للهروب من العار والإفلات من الأعداء.
جرعة سم غير قاتلة
يضيف فريرجان في كتابه أن نابليون أخذ معه خلال الحرب مع روسيا كيسا من السم ليتجرعه في حال وقوعه في الأسر. وأثناء الحملة الفرنسية عام 1814، وعند حشد قواته ضد الحلفاء، أراد الانتحار من خلال الاقتراب قدر الإمكان من المدفع الرشاش. وفي مدينة “آرسيس سور-أوب”، سقطت قذيفة بالقرب من حصانه وكادت ترديه قتيلا.
وفي خضم المعركة، بعث نابليون برسالة إلى الماركيز دي كولينكورت كتب فيها أن “الحياة لا تطاق. فعلت كل شيء لأموت في آرسيس، غير أن قذائف المدفع لم تقتلني”.
ومع عودته إلى فونتينبلو، تناول نابليون السم الذي يصطحبه معه في كل حملاته العسكرية. وفي منتصف الليل، دعا خادمه المخلص دي كولينكورت ليوصيه بزوجته وابنه، لكنه قضى تلك الليلة بين الألم والقيء، ولم تكن الجرعة قاتلة.
قناعة جديدة
بعد مرور عام، وعندما كانت هزيمة قواته وشيكة في معركة واترلو، سعى نابليون مرة أخرى إلى الانتحار، قائلا لكبار قادة جيشه “يجب أن نموت هنا! يجب أن نموت في ساحة المعركة!”. لكن المارشال سولت تمكّن من إقناعه بالعزوف عن فكرته والعودة إلى باريس.
لاحقا، هاجمت الأفكار الانتحارية نابليون من جديد، وكان يحتفظ بزجاجة سم صغيرة قدمها إليه طبيبه كورفيسارت، بعد أن قرأ قصة وفاة كاتو، الذي فضل طعن نفسه بالسيف بدلا الخضوع للقيصر.
وعقب نفيه إلى سانت هيلينا، فضّل نابليون البقاء على قيد الحياة، واقتنع -كما يقول فريرجان في كتابه- بأن البطولة الحقيقية هي التفوق على متاعب الحياة، وليس الانتحار.
لوبوان