موقع المغرب العربي الإخباري :
قرأت معظم ما تناوله البعض حول رد “حزب الله” على اغتيال رئيس أركان المقاومة الإسلامية اللبنانية “فؤاد شكر”، وتابعت الرواية الصهيونية بهذا الشأن، ووصلت إلى نتيجة مفادها أن أعداء وخصوم حزب الله في النظام العربي الرسمي، وفي القوى الطائفية والرجعية جهزوا روايتهم وقراءتهم للرد حتى قبل أن يحدث، ولم يكتفوا بالقراءة المسبقة المنطلقة من الحقد على حزب الله، وتصنيفه في إطار قائمة الإرهاب نزولاً عند إملاءات الإمبريالية الأمريكية وذيلها في دول الاتحاد الأوربي، بل ذهب بعضهم للاسترشاد بالسردية الصهيونية الكاذبة وبسردية قناة الحرة الأمريكية وغيرها، في تبخيسه لنتائج الرد.
إن أدنى قراءة منصفة لرد حزب الله على اغتيال فؤاد شكر، تؤكد أن الرد انطوى على نقلة نوعية في مسار الصراع مع العدو الصهيوني، والانتصار لقطاع غزة من الزوايا التالية :
ـ أولاً: أن الحزب وعد بالرد وأوفى بوعده، بتجاوزه قواعد الاشتباك بضربه لأول مرة وأبرز قاعدة عسكرية استخبارية للعدو الصهيوني في تل أبيب، منفذا وعداً سابقاً سبق وأن أطلقه إبان عدوان تموز 2006 بقصف أهداف صهيونية ” ما بعد بعد حيفا”.
واستهداف هذه القاعدة ليس مجرد إصابات بهيكل مباني القاعدة – كما روج البعض المعادي للحزب- بل ضربة استراتيجية أصابت العدو في مقتل، فقاعدة ” غليلوت” هي القاعدة الأساسية لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، وتضم المركز الرئيسي لوحدة (8200)، المسؤولة عن استخبارات الإشارة والسايبر، كما تضم أيضاً مدرسة الاستخبارات العسكرية ومجموعة من الكليات العسكرية القيادية، بالإضافة إلى كتيبة الاتصالات الخاصة بشعبة الاستخبارات العسكرية، وهي القاعدة التي يجري فيها التخطيط لعمليات اغتيال قادة المقاومة .
ـ ثانياً: أن الحزب تمكن من تحقيق الضربة العسكرية واسعة النطاق، رغم هذا الكم الهائل من الرصد الاستخباري الغربي الذي شاركت فيه طائرات الأواكس الأمريكية وطائرة التجسس البريطانية التي تتحرك في سماء المنطقة ابتداءً من بيروت مروراً بسماء غزة وسماء الجنوب اللبناني، ورغم قعقعة السلاح الأمريكي في شرق المتوسط، ممثلة بحاملة الطائرات وغواصة الصواريخ النووية وأسراب من الطائرات الحربية الأمريكية، ما يعني أن حزب الله في عمليته النوعية شكل تحدياً للحضور العسكري والاستخباري الأمريكي والغربي، ولم يخضع للتهديدات التي أوصلها بعض الوسطاء لحزب الله،كما مسخر حزب الله برده النوعي الحيل والخداع الأميركي، بشأن مسائل تبريد الجبهات من أجل الوصول إلى وقف إطلاق نار في قطاع غزة عبر المفاوضات .
ـ ثالثاً: انطوت عملية الرد النوعية،على سياق تكتيكي في خدمة تحقيق هدف استراتيجي ممثلاً بضرب قاعدة الاستخبارات في ضواحي تل أبيب، تمثلت – كما أشار حزب الله في بيانه الثاني- بقيام وحدة الصواريخ بخداع المنظومة الجوية الإسرائيلية بإطلاق رشقات صاروخية(320) صاروخ كاتيوشا باتجاه مواقع عسكرية بشكل كثيف، وكان الهدف منها تمرير طائرات مسيرة انقضاضية في الأجواء الإسرائيلية نحو الهدف النوعي المقصود في عمق الداخل الإسرائيلي وقد نجحت خطة المقاومة ووصلت الطائرات الى هدفها، بينما كانت صواريخ القبة الحديدية تعمل على اعتراض الصواريخ.
ـ رابعاً: رغم قيام العدو بتحريك 100 طائرة حربية فجر يوم الأحد 25-8- 2024 لقصف مواقع مختلفة في جنوب لبنان، إلا أن خطة الرد النوعي لحزب الله تم تنفيذها بالكامل من ألفها إلى يائها، ما يعني أن الغارات العنيفة التي شنّها الاحتلال في عدوانه الواسع، فشلت في منع الهجوم الذي بدأه حزب الله بالصليات الصاروخية وأسراب المسيّرات .
ومن ثم فإن حديث العدو عن إنجاز ضربة استباقية أفشلت هجوم حزب الله، كذب مكشوف ولم ينطل هذا الكذب على أحزاب المعارضة الصهيونية، ولا حتى على أطراف وازنة في حزب الليكود وفي حكومة العدو، حيث علق وزير التراث في حكومة العدو “عميحاي إلياهو” من حزب “عوتسما يهوديت” ساخراً بقوله :” شنّ الهجوم عقب تهديد تل أبيب، في الوقت الذي يحترق الشمال منذ أشهر، أشبه بالسماح للسارق بأن يفرغ المنزل، وعلى أن يتم الرد فقط عندما يقترب من الخزنة”.
ـ خامساً: أنّ الرد كما قال أبو عبيدة ” أكد من جديد تغير الواقع الاستراتيجي لكيان الاحتلال منذ “طوفان الأقصى ” …” “وأنّه “لا أمان للعدو من العقاب ولا حدود لإمكانية دكّه في أي مكان ومن أية جبهة”. فواقع هذا الكيان يقول ليس بوسعه أن يواجه المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنية بدون دعم الغرب الأطلسي، وأنه رغم هذا الدعم العسكري الهائل يلعق الهزائم المرة على أيدي رجال المقاومة في قطاع غزة وفي جنوب لبنان، ويحاول تعويض هزائمه باستهداف المدنيين والشجر والحجر في حرب إبادة جماعية .
ـ سادساً: أن فرحة العدو باستعادة قوة الردع،عبر مسلسل الاغتيالات وآخرها اغتيال القائد فؤاد شكر ورئيس حركة حماس اسماعيل هنية، لم تستمر طويلاً بعد رد حزب الله النوعي الذي اخترق العمق الإسرائيلي، وكشف مجدداً عن انهيار منظومة الردع الصهيونية، وأن كافة إجراءات العدو الأمنية لم تمكنه من ترميم منظومة الردع التي انهارت في السابع من أكتوبر الماضي.
ـ سابعاً: كشف الرد النوعي لحزب الله حقيقة التهديدات الزائفة لحكومة العدو باجتياح الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني لإبعاد قوات الحزب إلى ما وراء النهر، في حال أقدم حزب الله على ضرب عمق الكيان الصهيوني، إذ أن قيادة الاحتلال بلعت الضربة ولم تنفذ تهديداتها بالرد.
ـ ثامناً: والبعد النوعي الاستراتيجي في رد حزب الله، لم يكمن فقط في اختراق العمق الصهيوني بل يكمن أيضاً في حدود المنطقة والقواعد والمواقع الاستراتيجية، التي استهدفتها صواريخ حزب الله، التي غطت مساحة 1500 كلم٢ في مرحلته الأولى، ابتداءً من رأس الناقورة في الغرب وصولاً لمزارع شبعا والجولان في الشرق.
وقد قصف في هذا الرد النوعي أبرز القواعد العسكرية والاستخبارية الاستراتيجية الإسرائيلية وهي : قاعدة ميرون التجسسية المختصة في المراقبة الجوية وتغطي المنطقة الممتدة باتجاه سوريا ولبنان وتركيا وشمال الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط / قاعدة عين زيتيم العسكرية قرب مدية صفد/ قاعدة يردن في الجولان المحتل التي / ثكنة راموت نفتالي / قاعدة إيلانيا قرب طبريا، التي تتبع فرقة الاحتياط 146 التابعة لقيادة المنطقة الشمالية، وتضم باحة لإطلاق وهبوط المنطاد التجسسي “سكاي ديو/ ثكنتا كيلع ويوآف في الجولان السوري المحتل / قاعدة نفح في عمق الجولان السوري المحتل وتضم مقر قيادة الفرقة الإقليمية “الجولان 210/ ثكنة برانيت الممتدة على مساحة 105 كيلومترات، وتضم مقر قيادة الفرقة 91 المسماة “فرقة الجليل”، التي تتولى حماية الحدود الشمالية للكيان الصهيوني/ قاعدة تسنوبار اللوجستية التي تتبع قيادة المنطقة الشمالية في الجولان السوري المحتل.
وقد نجم عن الرد النوعي لحزب الله، خسائر كبيرة في صفوف العدو على الصعيدين البشري والمادي، وقد اعترف المتحدث باسم حكومة العدو، “إيلون ليفي” بأن صواريخ حـ ـزب الله تسببت في مقـ ـتل أكثر من 50 شخصا وإصابة المئات في (إسرائيل)، في حين أشارت تسريبات إسرائيلية بأن ضربة قاعدة ” غليلوت” قرب تل أبيب نجم عنها خسائر كبيرة على الصعيدين المادي والبشري
ما تقدم يكشف زيف ادعاءات المغرضين والمشككين بنوعية رد حزب الله، خاصةً وأن أقلام بعض الكتاب والصحفيين، وضعت نفسها في خدمة بعض الأنظمة العربية المشاركة في العدوان الصهيو أميركي على قطاع غزة .
فحزب الله لم يهدد بتحرير فلسطين في هذه المرحلة، بالتكامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية ولم يعلن أنه بصدد الدخول في حرب شاملة عبر هذا الرد النوعي، فهو يراكم نقاط انتصارات على طريق الهدف الاستراتيجي، وينتظر اللحظة المناسبة في سياق قراءته للأوضاع المحلية اللبنانية والإقليمية والدولية وفي سياق قراءته لجهوزية محور المقاومة لتحقيق هذا الهدف .
كما أن الحزب- وكما أشار العديد من المحللين- قرأ المشهد الإقليمي والدولي منذ اللحظات الأولى لطوفان الأقصى، وقرأ لاحقاً الصمت الدولي على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وقرأ تواطؤ أطراف عديدة في النظام العربي الرسمي مع العدوان، وخذلان بعض الأطراف في هذا النظام لأبناء شعبنا في قطاع غزة، وبدأ حربه الإسنادية للقطاع بشكل متدرج لدرجة باتت عملياته تتجاوز قواعد الاشتباك وعمليات الإسناد إلى ما هو أقل من حرب شاملة .
كاتب فلسطيني
انسخ الرابط :
Copied