موقع المغرب العربي الإخباري :
المشاهد المروعة التي نراها في قطاع غزة، من مذابح لا تتوقف على مدار اللحظة، ومئات آلاف العوائل المنكوبة بلا مأوى، يلتحفون الطين والعراء، في عز الشتاء، ولا يجدون لقمة يسدون بها جوعهم،لم تكن كفيلة بتحريك نخوة الشعوب والدول العربية والإسلامية وزعاماتها، ولم تُثِر حمية ملياري مسلم انتقلت ضمائرهم إلى الرفيق الأعلى، ولم تعد على قيد الحياة.
حجم المشاهد يفوق الوصف والكتابة: طفل فلسطيني يلملم أشلاء أخته الصغيرة بيديه، وأم تنقل بقايا طفلها الصغير الشهيد على عربة يجرها حمارٌ، ومئات الأطفال الصغار يصطفون بأواني الطعام الفارغة ساعات وساعات تحت المطر، للحصول على لقيمات، وعيونهم تفضح جوع بطونهم، فيملأ بعضهم أوانيهم مما تيسر، ويعود بقيتهم خائبين.
عوائل تنام على الطين. وسيدات يخبئن أولادهن من البرد في البنايات المدمرة الآيلة للسقوط، وآخرون يسألون المشايخ عن جواز أكل القطط تحت وطأة المجاعة، بعد أن استيأسوا من رحمة أمتهم المتخاذلة التي تراقب ذبحهم، ولم يبق أمامهم سوى رحمة الله.
كنا نتصور وجود حدّ لصبر الشعوب على تحمل الضيم، والسكوت على واقعها المرير، وأن بلوغ مرحلة أقل مما وصلت إليه الأحوال المأساوية في غزة، كفيلة باستنفارهم، وإشعال الدنيا في الكيان المجرم، لكن شلال الدم الفلسطيني قوبل بالصمت والخذلان، على امتداد 57 دولة مسجلة في لغة المجاز بأنها عربية وإسلامية.
ونتساءل: ما فائدة الكتابة يا ترى؟ وما جدوى الأبجدية؟، وما نفع الكلمات التي أخط ها هنا؟، فلا مشاهد إبادة الأطفال والنساء، ولا تدمير غزة برمتها، ولا صوت أنين الجائعين المهجرين، الذين يتوسدون الطين ويأكلون مما تبقى من علف الدواب، التي نسمع ونرى بالعين المجردة على الهواء مباشرة، قدرت على خلع البلادة المتأصلة فينا.
ما الذي يمكن أن نراه، أكثر مما رأيناه؟ وما هو الحد المقبول عندنا من الذبح والدمار،الكافي لاخراجنا من غياهب ضياعنا؟
منذ عشرات السنين، وأقلامنا تحث الشعوب على خلع ثوب صمتها، ورداء جبنها، ورفض واقعها الرديء، لنكتشف أن العيب كان في الشعوب نفسها التي ارتضت لنفسها الذل والهوان، وسمحت لهذا السافل الصهيوني أن يعربد عليها ويتجبر.
كنا نضحك على أنفسنا، ونتأمل من بلادنا وشعوبها أن تستفيق، لنتيقن متأخرين، أنها شعوب مع وقف التنفيبذ، لا يرتجى فيها ومنها، ولو تنزلت عليها كل يوم رسالة سماوية وألف نبي ورسول.
بحّت أصواتنا، وجفّت حلوقنا وأقلامنا، ونحن نخضّ في قربة النخوة العربية التالفة، فلا عينها رأت، ولا أذنها سمعت؛ فالعبيد قد استمرءوا عبوديتهم، والذين اعتادوا العيش تحت المداس، استطيبوا مكانهم، ولا يبدو أنهم يفضلون العيش في مكان آخر.
من أي طينة خلقت هذه الشعوب التي تنفعل على طلاق ممثل وممثلة، أكثر من انفعالها مع ذبح 30 ألف إنسان عربي مسلم؟
من أي طينة نبتت هذه الشوارب التي تهتز لهزيمة فريق فطبول، ويبكي رجالها على خسارة لعبة، ولا يذرفون دمعة على قتل آلاف الأطفال؟
كيف تهنأ الشعوب التي تنام كالدواب، وتأكل وتشرب كالدواب، وتتناكح كالدواب، وترقص وتغني في المهرجانات كالدواب، مع اعتذاري للدواب، وأطفال غزة يموتون جوعاً، ولماذا كل هذا الصمت والخزي والجبن والخذلان؟
يبدو أن الكتابة، كل الكتابة، مهما بلغت فصاحة ورجاحة كاتبها، لن تغيّر وتؤثر في هذه الجموع التي استطيبت عيشة الدنية والعبودية، فقد كتب الله لهذه الأمة قرآنا عظيماً فنأوا عنه، واتخذوه مهجورا!
يا أهل غزة: نعلم أنكم لا ترتجون منا شيئاً، فنحن في عداد الموتى، والمفقودين. يكفيكم أنكم من غزة، يكفيكم أنكم معكم، ويكفيكم فخراً أنكم في كنف المقاومة!
انسخ الرابط :
Copied