في مشهد يعكس التصعيد الإقليمي المتزايد وتحوّل اليمن إلى ساحة مواجهة مباشرة في الصراع مع إسرائيل، أعلنت دولة الاحتلال للمرة الثانية خلال 24 ساعة، تنفيذ سلسلة من الغارات الجوية المكثفة على العاصمة اليمنية صنعاء ومحيطها.
وأغلقت المطارات اليمنية، وانطفأت محطات الكهرباء، وتصاعدت أعمدة الدخان في سماء العاصمة صنعاء، بينما ارتفعت حدة التحذيرات واشتدت نبرة التهديد من الطرفين، في مشهد يشي بأن المواجهة قد تخطّت غزة ولبنان وسوريا، لتصل إلى جنوب الجزيرة العربية.
وحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، فإن العملية الإسرائيلية ضد مواقع الحوثيين في اليمن، تأتي في إطار رد غير معلن رسميًا على الضربات الصاروخية التي طالت مطار بن جوريون في قلب إسرائيل.
ضربات موجعة
أكدت إسرائيل ظهر اليوم الثلاثاء، عبر بيان رسمي للمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، أن سلاح الجو نفّذ ضربات جوية مركّزة استهدفت أهدافًا في صنعاء ومحيطها، مشددًا على أن الجيش الإسرائيلي “عازم على مواصلة العمل وضرب كل من يشكل تهديدًا لإسرائيل، وعلى أي مسافة مطلوبة”، على حد قوله.
وحسب البيان الإسرائيلي، فإن الهجوم الذي نُفّذ للمرة الثانية خلال أقل من يوم، استهدف البنية التحتية لمنظمة الحوثي في مطار صنعاء، ما أدى إلى إغلاقه بالكامل، وزعم أن الحوثيين يستخدمون المطار، كما ميناء الحديدة الذي استُهدف الليلة السابقة، لنقل الأسلحة والمقاتلين، إضافة إلى تشغيله لأغراض “إرهابية”، حسب وصف البيان.
وحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” فإن “سماء صنعاء أصبحت كلها دخان، وهناك أجواء من الذعر والخوف”، في توصيف لحالة الرعب التي عمّت العاصمة بعد الغارات.
قصف بنى تحتية
أوضح الجيش الإسرائيلي أن الضربات لم تقتصر على المطار، بل استهدفت أيضًا عدة محطات طاقة مركزية في صنعاء، قال إنها “تُستغل كبنية تحتية مهمة لإمدادات الكهرباء للنظام الحوثي”.
كما شملت الضربات مصنع العمران للخرسانة شمال صنعاء، الذي يُعد موردًا أساسيًا يُستخدم في بناء الأنفاق والمنشآت العسكرية، مؤكدًا أن تدميره يمثل “ضربة اقتصادية وعسكرية للنظام الحوثي”.
في تطور غير مسبوق، أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، بيانًا مصوّرًا باللغة العربية دعا فيه المدنيين إلى إخلاء مطار صنعاء ومحيطه فورًا، محذرًا: “عدم الإخلاء يعرضكم للخطر”، وقد أحدث هذا البيان حالة من الذعر العام في العاصمة اليمنية، وفقًا لما أوردته وسائل إعلام عربية، أكدت أن العدوان دمّر كل الطائرات المدنية ومبنى المحطة في المطار.
وأغلق السلطات الطرق المؤدية إلى المطار، وشهدت المنطقة حركة نزوح كثيفة وسط حالة من الهلع بين السكان والعاملين في المحلات التجارية المجاورة، كما نقلت “يديعوت أحرونوت” عن مصدر في الخطوط الجوية اليمنية أن صالة الركاب دُمّرت بالكامل.
تدمير 50 هدفًا
بحسب “يديعوت أحرونوت”، فقد استهدفت العملية نحو 50 موقعًا، شملت ميناء الحديدة ومصانع للخرسانة تُستخدم في حفر الأنفاق وتصنيع الأسلحة. وقال مصدر أمني إن العملية نُفّذت بتزامن دقيق مع ضربات جوية أمريكية، مؤكّدًا أن الهجوم يُعد “من أقوى الضربات التي نفذتها إسرائيل في اليمن حتى الآن”.
واعتبر الجيش الإسرائيلي أن المنشآت المستهدفة تُشكل مصادر دخل رئيسية للنظام الحوثي، مشيرًا إلى تدمير مصنع باجل للخرسانة شرقي الحديدة، إلى جانب بنية تحتية تُستخدم لتخزين الأسلحة، ولم تقتصر الضربات الإسرائيلية على اليمن، إذ شنّت الطائرات الحربية غارات على أهداف لحزب الله في لبنان، كما قصفت مواقع في محيط دمشق.
ضربة بـ30 قذيفة
كشفت مصادر أمنية إسرائيلية للصحيفة أن إسرائيل نفّذت الضربة الثانية بتخطيط مسبق ومباغت، حيث أُلقيت نحو 30 قذيفة على مطار صنعاء، وأوضحت أن الهجوم السابق كان بمثابة “تمويه تكتيكي” لخداع الحوثيين، ليأتي الهجوم الحقيقي في اليوم التالي، متوعدة بمزيد من الهجمات.
وفي أول رد على الضربة الأولى، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، أمس الاثنين، في تسجيل مصوّر عبر وسائل إعلام تابعة للجماعة، أن “قواتنا قررت فرض حصار جوي شامل على إسرائيل”، ردًا على ما أسماه “التصعيد الإسرائيلي في غزة ولبنان وسوريا”.
وأضاف سريع: “سنستهدف المطارات الإسرائيلية بشكل متكرر، وعلى رأسها مطار بن جوريون”، داعيًا شركات الطيران العالمية إلى وقف رحلاتها إلى إسرائيل حفاظًا على سلامة طائراتها وعملائها، في تهديد مباشر وغير مسبوق.
التحذير الحوثي سرعان ما تفاعلت معه عدة شركات طيران دولية، إذ علّقت بعض الشركات رحلاتها إلى تل أبيب، فيما ألغت أخرى مواعيدها إلى أجل غير مسمى، وفق ما نقلته “يديعوت أحرونوت”.
ضرب مطار بن جوريون
في تطور خطير وصفته الصحيفة بـ”غير المسبوق”، أكدت أن صاروخًا باليستيًا أُطلق الاثنين من الأراضي اليمنية نجح في اختراق منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضرب مطار بن جوريون، ما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص بجروح متفاوتة، وأضرار مادية كبيرة، تسببت في إلغاء فوري لعشرات الرحلات الدولية.
وأظهرت نتائج التحقيق الأولي أن منظومة “حيتس” الإسرائيلية أخفقت في اعتراض الصاروخ بسبب خلل في نظام التوجيه، كما فشل صاروخ من منظومة “ثاد” الأمريكية في إصابته، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى فعالية هذه الأنظمة في التصدي للتهديدات البعيدة.
نتنياهو يحمّل إيران المسؤولية
عقب الضربة الصاروخية اليمنية، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تغريدة على منصة “إكس”، اقتبس فيها من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قائلًا: “هجمات الحوثيين تنطلق من إيران”، وأضاف: “سترد إسرائيل في الوقت والمكان الذي نختاره، على أسيادهم الإيرانيين الإرهابيين”.
ورغم هذه التصريحات، قرر المجلس الأمني المصغّر في إسرائيل عدم مناقشة الرد على اليمن خلال جلسته الطارئة، واكتفى بالتركيز على العمليات في قطاع غزة، كما نقلت يديعوت أحرونوت.
لكن ذلك لم يدم طويلاً، فبعد أقل من 36 ساعة، شنّت إسرائيل عملية واسعة النطاق على ميناء الحديدة ومواقع حوثية أخرى، بالتنسيق الكامل مع القوات الأمريكية، في عملية أُطلق عليها اسم “مدينة الموانئ”.