تتركّز المخاوف التكنولوجية لواشنطن في الآونة الأخيرة حول تطبيق “تيك توك”، الذي ترى أنّ من الضروري أن تتخلص من انتشاره في البلاد، سواء بطرق قسرية أو بحظر شامل أو من خلال بيع التطبيق لشركة أميركية.
ودفعت الهواجس التي يثيرها تطبيق “تيك توك” في الولايات المتحدة إلى دعوة الرئيس التنفيذي للشركة، شو زي تشو، إلى استجواب طويل أمام الكونغرس الأميركي، بشأن العلاقات المزعومة لتطبيق مشاركة الفيديو مع الصين والخطر الذي يمثّله على المراهقين.
تشو نفى المزاعم الأميركية خلال الجلسة، وقال إنّ “شركة بايت دانس، المالكة للتطبيق، ليست تابعة أو خاضعة لسيطرة الحكومة الصينية”، مطالباً بالتوصّل إلى قواعد شفّافة وواضحة تنطبق على كل شركات التكنولوجيا، لأنّ “الملكية ليست أساساً لمعالجة هذه المخاوف”.
مخاوف واشنطن من “تيك توك”
1- تجميع بيانات المستخدمين
حذّر كل من مكتب التحقيقات الفيدرالي والمسؤولين في لجنة الاتصالات الفيدرالية من أنّ “بايت دانس” (ByteDance) يمكنها مشاركة بيانات مستخدم “تيك توك” مثل سجل التصفّح والموقع والمعرفات الحيوية مع الحكومة الصينية.
ووفق تقرير للأمن السيبراني، فإنّ التطبيق يقوم بعملية “صيد مفرطة للبيانات”، حيث قال المحللون إنّ “تيك توك” يجمع تفاصيل مثل مواقع المستخدمين ونوع أجهزتهم الإلكترونية التي يستخدمونها والتطبيقات الأخرى الموجودة على الجهاز.
ويزعم المسؤولون أنّ “تيك توك”، مثل العديد من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى التي تجمع كميات هائلة من البيانات عن مستخدميها، سيضطر إلى إعطاء البيانات لبكين بموجب قانون عام 2017 الذي يجبر الشركات على تسليم أي بيانات شخصية ذات صلة بالأمن القومي للصين.
وغالباً ما يتم الاستشهاد بهذا القانون من قبل الأشخاص الذين يرتابون ليس فقط في “تيك توك”، ولكن في جميع الشركات الصينية.
ويجادل باحثون من معهد جورجيا للتكنولوجيا بأنّ الجملة أخرجت من سياقها، ولفتوا الأنظار إلى أنّ القانون الصيني يتضمن أيضاً قيوداً تحمي حقوق المستخدمين والشركات الخاصة.
وبالمقابل، خلص اختبار للتطبيق أجراه مركز “Citizen Lab” الكندي للتطوير البرمجي إلى أنه “بالمقارنة مع منصات الوسائط الاجتماعية الشائعة الأخرى، يجمع تيك توك أنواعاً مماثلة من البيانات لمعرفة سلوك المستخدم”.
وبالمثل، ذكر تقرير حديث صادر عن معهد جورجيا للتكنولوجيا، في كانون الثاني/يناير، أنّ “الحقيقة الأساسية هنا هي أن معظم وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى وتطبيقات الهاتف المحمول تقوم بالشيء ذاته”.
وقالت المتحدثة باسم “تيك توك” مورين شاناهان، في مقابلة صحافية، إنّ الشركة مستقلة تماماً و”لم تقدّم بيانات المستخدمين إلى الحكومة الصينية، وهي لن تحصل عليها حتى لو طلبت ذلك”.
وتابعت أنّ المشكلة التي يواجهها المنتقدون مع “تيك توك” هي أنها مملوكة لشركة “ByteDance” العملاقة للتكنولوجيا ومقرها بكين، مما يجعلها فريدة من نوعها باعتبارها تطبيقاً رئيسياً غير أميركي، حيث يجمع كل من “فيسبوك” و”سناب تشات” و”إنستغرام” و”يوتيوب” كميات مماثلة من البيانات لكن جميعها شركات تأسست في الولايات المتحدة.
ولسنوات، وضع المشرّعون الأميركيون، إلى جانب دول من العالم، مستوى معيناً من الثقة في هذه المنصات، وهي أنّ البيانات التي تجمعها لن تستخدم لأغراض خبيثة قد تعرّض الأمن القومي للخطر.
بدورها، ردت بكين على اتهامات التجسس قائلةً إنّ الولايات المتحدة لم تقدّم بعد دليلاً على أنّ تطبيق “تيك توك” يشكّل تهديداً للأمن القومي. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية إنّه “يتعين على السلطات الأميركية الكف عن محاربة مثل هذه الشركات”.
وأوضحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، في إفادةٍ دورية، أنّ بكين “لم ولن تطالب الشركات أو الأفراد بجمع أو تسليم بيانات أجنبية بطريقة تنتهك القانون المحلّي”، مضيفةً أنّ الحكومة الصينية “تولي أهمية كبيرة لحماية خصوصية البيانات”.
وفي الوقتٍ الذي تدّعي واشنطن أنّها تقف موقفاً حازماً حيال التجسس، وتعمل على محاربته دولياً، كشفت قضية إدوارد سنودن قيام الاستخبارات الأميركية بتطوير برامج بهدف التجسس لصالح وكالة الأمن القومي.
وكان سنودن سرّب في 2013 بيانات سرية تكشف الطريقة التي كانت تجمع فيها وكالات استخبارات أميركية بيانات شخصية للمستخدمين، خصوصاً عبر “غوغل” و”فيسبوك” و”مايكروسوفت”.
وأدّى كشف برنامج التجسّس السرّي هذا إلى صدور قوانين وأنظمة تحظر هذه الأنشطة.
2- أداة “لغسيل الأدمغة”
أكدت المتحدثة باسم “تيك توك” مورين شاناهان أن الشركة “تحظر إرشادات المعلومات المضللة التي يمكن أن تسبب ضرراً للمجتمع أو لعامة الجمهور، بما في ذلك الانخراط في سلوك غير أخلاقي”.
ويقول المدير التنفيذي لـ”تيك توك” إنّه “بينما يمثل المستخدمون في الولايات المتحدة 10% من إجمالي مستخدمي التطبيق حول العالم، فإنّ صوتهم يمثل 25% من إجمالي المشاهدات في العالم”.
وبلغ عدد مستخدمي التطبيق 1.5 مليار شخص العام الماضي، منهم 150 مليون أميركي. وتمثل هذه الأرقام مصدر قلق آخر للمشرّعين، الذين يتخوّفون من إمكانية تحوّل “تيك توك” إلى أداة للتأثير في جيل كامل من الشباب الأميركي.
الهجوم الأول على “تيك توك”
يرجع الهجوم على تطبيق “تيك توك” في الولايات المتحدة الأميركية إلى العام 2019، عندما طلب أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي من جوزيف ماغواير، القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية، التحقيق في ما إذا كان تطبيق “تيك توك” يشكّل تهديداً للأمن القومي الأميركي.
وطلب السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من لجنة الاستثمار الأجنبي مراجعة استحواذ شركة “بايت دانس” الصينية على تطبيق “Musical.ly” عام 2017 في مقابل مبلغ مليار دولار أميركي.
وساهمت عدة عوامل في شن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حرباً على تطبيق “تيك توك” الصيني، فإزاء الانتشار السريع والواسع للتطبيق في الولايات المتحدة الأميركية ومنافسته التطبيقات الأميركية، مثل “فيسبوك” و”إنستغرام”، ضغطت شركات الإنترنت الأميركية على ترامب للحد من التطبيقات الصينية المنافسة.
أمام هذا الواقع، وجدت الإدارة الأميركية نفسها أمام 3 خيارات للتعامل مع تطبيق “تيك توك”: إما حظر التطبيق كلياً، وإما بيعه لشركة أميركية، وإما الطلب من لجنة الاستثمار الأجنبي فتح تحقيق في مخاطر وجود التطبيق في البلاد، على أن تقدّم بعد ذلك توصيتها للرئيس الأميركي.
وبعد مناقشات داخل الإدارة الأميركية، أصدر ترامب في آب/أغسطس 2020 أمراً تنفيذياً بحظر تطبيق “تيك توك” في حال لم توافق شركة “بايت دانس” على بيعه لشركة أميركية خلال فترة زمنية محددة.
وقد وافقت الشركة الصينية على التخلي عن التطبيق، إلا أنَّ الحكومة الصينية عارضت ذلك بشدة، فقد كانت تفضّل وقف التطبيق نهائياً، لأن بيعه قسراً لواشنطن سيجعل بكين تبدو ضعيفة أمامها، وتفادياً أيضاً لوضع الولايات المتحدة الأميركية يدها على الخوارزميات التي يقوم عليها التطبيق.
بعد ذلك، جاء الرئيس جو بايدن إلى السلطة، وألغى قرار الحظر الذي اتخذه ترامب واستبدله بأمر آخر يدعو إلى مراجعة أوسع لعدد من التطبيقات الخاضعة للسيطرة الأجنبية.
ومع تزايد التوتر بين واشنطن وبكين، عاد تطبيق “تيك توك” إلى الواجهة، وتعالت أصوات من داخل الكونغرس الأميركي تطالب بحظر التطبيق كاملاً.
حظر أميركي أو بيع قسري
تحارب الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الحالي تطبيق “تيك توك” محاولة تضييق الخناق للوصول إلى أمرين في نهاية المطاف، إما الحظر الكامل في البلاد، أو إجبار الشركة المالكة للتطبيق بيعه قسرياً إلى شركة أميركية.
وتريد واشنطن فرض عقوبات على الشركة المالكة للتطبيق لأن “تيك توك” يمتلك حصة الأسد في سوق مواقع التواصل بالولايات المتحدة، وهدفها من كل هذا إضعاف التطبيق بحجة أنه يهدد الأمن القومي الأميركي من دون أن تقدّم الولايات المتحدة أو غيرها من الدول التي حظرت التطبيق أدلة واضحة بشأن التجاوزات التي يكون قد ارتكبها.
ورحّب البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، بمشروع قانون يسمح للرئيس جو بايدن بحظر “تيك توك”، وفق ما أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في بيان.
لكن بالمقابل، يشعر الديمقراطيون المقرّبون من البيت الأبيض بالقلق من أن يواجه بايدن “مشاكل سياسية” إذا أقدم على حظر التطبيق، ولهذا الغرض تفكّر السلطات الأميركية في عدم حظر “تيك توك” في الولايات المتحدة.
ووفق ما كشف موقع “أكسيوس” الأميركي، فإنّ الشرط يتعلق بإجبار شركة “بايت دانس” الصينية على بيع التطبيق لشركة أخرى.
بدورها، أعلنت الحكومة الصينية اعتزامها معارضة هذه الخطة، محذرةً من أن مثل هذه الخطوة ستضرّ بثقة المستثمرين في الولايات المتحدة.
لا حظر ولا بيع.. ما الحل؟
يتفق العديد من الخبراء وأعضاء الكونغرس على أن الحل هو تعزيز حماية خصوصية الإنترنت لمنع هذا النوع من المراقبة وإساءة استخدام البيانات الذي يقلق منتقدي “تيك توك”.
ووفق موقع “بوستن غلوب”، فمع مرور كل أسبوع، تكتسب حركة حظر “تيك توك” قوةً، فقد حظرت أكثر من نصف الولايات تطبيق وسائل التواصل الاجتماعي الشهير للغاية من بعض أو جميع الأجهزة الصادرة عن الدولة.
وانضمت الحكومة الفيدرالية إلى بريطانيا وكندا ودول أخرى في منع الوصول إلى التطبيق على الأجهزة الرسمية.
وقالت كيتلين تشين، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية التي تركّز على الإنترنت، إنّ الحظر من شأنه أن ينتهك تقليد أميركا المتمثّل في حرية تدفّق المعلومات ولا يفعل شيئاً لمنع الشركات الأجنبية أو المحلية من الوصول إلى البيانات، لذا فإن حظر “تيك توك” ليس هو الحل.
وعلى الرغم من الدعوات من الحزبين، فإنّ تشريع تعزيز خصوصية الإنترنت متوقّف منذ فترة طويلة في الكونغرس. وقليلٌ من المحللين يتوقعون تمريره في أي وقت قريب.