لم تعد تفصلنا إلا بضعة أيام عن انطلاق الألعاب الأولمبية التي تمثل تاريخ الممارسة الرياضية في العالم، وتمثل الكثير من الصراعات التي عاشها العالم من الزمن الإغريقي إلى زمن كورونا، ومع ذلك يبدو الحدث الكبير، وكأنه مجهري، لا يُرى بالعين المجرّدة ضمن اهتمامات الجزائريين سواء في عالم الواقع، الذي يتميز بمشاكل اقتصادية واجتماعية، ولا على العالم الافتراضي الذي لا يكاد يترك شيئا إلا وغرّد وسبح فيه، إلا عالم الرياضة بعيدا عن وجع الرأس الذي تسببه كرة القدم.
لم تنجب بلادنا التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 44 مليون نسمة، سوى 44 فردا سيطيرون إلى اليابان بحثا عن الميداليات أو التعلم أو ربما المشاركة فقط، ضمن الأسطوانة القديمة وهي المشاركة من أجل المشاركة.
تعرف الجزائر تراجعا رهيبا في ممارسة الرياضة وليس التألق فيها فقط لعدة أسباب، تتجلى في سوء التسيير ونقص التوعية حتى صارت للجزائر جرائد وقنوات كروية وليس رياضية وصار كل من يتحدث عن الرياضة إنما يقصد بالضرورة الكرة المطاطية المدحرجة بين أقدام مختلف الفرق واللاعبين، وإذا كان سقف لعبة الكرة المحاطة بحب الناس وعشقهم واهتمام المسؤولين الذين يغدقون على اللعبة أموال النفط، مجرد لقب إفريقي، قد لا يعني شيئا بالنسبة لعالم الكرة، فإن رياضة ألعاب القوى والملاكمة الفردية منحت الجزائر في تاريخها ألقابا عالمية وميداليات من المعدن الثمين أجبرت العالم على الاستماع لنشيد قسما مقرونا بذهب التتويج، بالرغم من قلّتها، حيث لا يزيد عدد الميداليات الذهبية في تاريخ الجزائر في الألعاب الأولمبية عن خمس ميداليات، أربع منها تم التتويج بها في اختصاص 1500 متر في ألعاب القوى، من حسيبة وبنيدة ونورالدين وتوفيق وأخرى في الملاكمة من المرحوم حسين سلطاني الذي توج في حياته ببرونزية في دورة برشلونة 1992 أتبعها بذهبية في دورة أطلنطا 1996، ثم نسيه الجزائريون، فعاش هائما في مرسيليا إلى أن عاد إلى أرض الوطن مقتولا في صندوق، ولا أحد لحد الآن يعرف من قتله بالرصاص، ولكننا جميعا نعرف من قتله بالإهمال.
الرياضة هي جزء هام من المجتمع، وأثبتت شهور وباء كورونا المحزنة التي قتلت أكثر من أربعة ملايين نسمة، بأن الرياضيين هم أبعد الناس عن مخاطرها، كما أثبت التاريخ بأن الدول الأكثر تطورا علما ومعارف هي الأقوى أيضا في الرياضة مع استثناءات نادرة يصنعها بعض الرياضيين من كينيا وإثيوبيا وجمايكا، بينما تسيطر الدول الكبرى على المعدن النفيس وتهتم بالألعاب الأولمبية أكثر من منافسة كأس العالم لكرة القدم.
مساحة الجزائر وشواطئها وتنوع المناخ والتضاريس فيها وشباب شعبها، يمنحها القواعد الأساسية للممارسة وأيضا التنافس على الألقاب العالمية، وقد لاحظ الجزائريون بين الحين والآخر، سقوط العديد من الحقائب الوزارية، من ري وغابات وبيئة وصيد بحري، ولكن وزارة الرياضة ظلت صامدة من زمن الوزير بوتفليقة إلى الوزير سبقاق، ولكنها للأسف كانت ومازالت حقيبة كرة القدم تقذفها الأرجل شمالا ويمينا في غياب الدماغ.