“ما الذي نحلم به بعد ذلك؟”، وهو تعبير يرتبط أساسًا بالنوم، وهو عبارة عن استكشاف مجازي للمستقبل. يتعلق الأمر بتصور الخطوات التالية والأهداف التالية والانتصارات التالية. وفي سياق العلاقات بين المغرب والجزائر، يأخذ هذا السؤال بعدا مختلفا.
تتمتع الجزائر بتاريخ طويل من التنافس والمنافسة مع المغرب، والتي تشمل مجالات مختلفة مثل السياسة والاقتصاد والرياضة والثقافة. وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن المغرب أصبح له اليد العليا في هذه المعارك، مما جعل الجزائر تتساءل: “أين ستحلم بعد ذلك؟”
وفي السياسة، يتغير التوازن الدبلوماسي باستمرار. اقتصاديا، التجارة والتبادل التجاري للمغرب واضحة على المستوى العالمي. وفي عالم الرياضة، يتم الاحتفال بالانتصارات في المغرب وليس في الجزائر. ومن الناحية الثقافية، تواصل الثقافة المغربية، كأمة عريقة ضاربة في التاريخ، نسج قصص الهوية والتراث.
ومع خسارة الجزائر لفرص منافسة التفوق المغربي الساحق في هذه المجالات، يبقى السؤال: “أين نحلم بعد ذلك؟” لذا، دعونا نشرع في هذا الاستكشاف والاكتشاف، ونتعمق في تعقيدات هذه المعارك ونفهم ما تعنيه بالنسبة للجزائر. دعونا نفكر فيما تبقى للجزائر لتحلم به بعد ذلك.
سياسة
في الواقع، كان المشهد السياسي المحيط بالصحراء المغربية معقدًا. وتدعو القيادة الجزائرية منذ أكثر من 50 عاما إلى الانفصال في الصحراء المغربية، بهدف تقسيم البلاد وإقامة دولة عميلة في منطقة الصحراء. لقد دعموا جماعة حرب العصابات المعروفة باسم البوليساريو، والتي كانوا يأملون أن تكون مؤيدة للجزائر.
لكن هذا الحلم السياسي المتمثل في الوصول إلى المحيط الأطلسي من خلال إنشاء كيان موالي للجزائر في الصحراء المغربية لم يتحقق. وبدلاً من ذلك، حظي الحل الذي اقترحه المغرب والمتمثل في خطة الحكم الذاتي، والذي بدأ في عام 2007، باهتمام ودعم دوليين. وتقترح هذه الخطة نقل بعض السلطات الإدارية والتشريعية والقضائية إلى السكان، الذين يديرون شؤونهم بشكل ديمقراطي.
علاوة على ذلك، فقد تم الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء من قبل العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، افتتحت أكثر من 30 دولة قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة. وتشير هذه التطورات إلى تحول في الموقف الدولي تجاه القضية، لصالح مخطط الحكم الذاتي المغربي والسيادة على منطقة الصحراء.
وعلى الصعيد السياسي، لم يتحقق حلم الجزائر الذي طال أمده بالانفصال في الصحراء المغربية، حيث حظيت خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب باهتمام ودعم دوليين.
اقتصاد
وفي مجال الاقتصاد، بذلت الجزائر محاولات لمنافسة المغرب ومواجهته على المستوى العالمي. أحد هذه الأمثلة موجود في صناعة السيارات. وفي عهد الرئيس بوتفليقة، أنشأت الحكومة الجزائرية شركات لتجميع السيارات في محاولة لمواجهة المشروع المغربي رينو نيسان وداسيا.
ومع ذلك، على الرغم من تصنيع الجزائر للسيارات، فإن ارتفاع تكلفة قطع غيار السيارات المستوردة يعني أن الأسعار لا تزال تتجاوز مثيلاتها في أوروبا. وبينما كانت صناعة السيارات في الجزائر تعاني، واصل المغرب تنمية قطاعه.
في الواقع، برز المغرب كمركز لصناعة السيارات، حيث قامت العديد من الشركات المصنعة للسيارات متعددة الجنسيات بإنشاء مصانع إنتاج في البلاد. وفي صناعة السيارات، خططت الجزائر للتنافس مع صناعة السيارات المزدهرة في المغرب. ومع ذلك، تعطلت هذه الخطط بعد اندلاع الحراك في عام 2019. وبينما تواصل صناعة السيارات في المغرب نموها واكتسابها، واجهت شركات تجميع السيارات في الجزائر صعوبات.
علاوة على ذلك، أطلقت الجزائر حملة يقودها وزير الخارجية عبد القادر مساهل ضد شركة الطيران المغربية الخطوط الملكية المغربية.
وكان الهدف هو تشويه سمعة الشركة وتقليل قيمتها عالميًا من خلال الادعاء بأنها تنقل مواد غير العملاء، في إشارة إلى المخدرات. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن هذه الادعاءات خطيرة ويجب دعمها بالأدلة.
في الواقع، أفادت التقارير أنه تم القبض عدة مرات على أعضاء في شركة الخطوط الجوية الجزائرية، وهم ينقلون بضائع غير قانونية ومخدرات غير مشروعة. في الواقع، تتمتع الخطوط الجوية الملكية المغربية، شركة الطيران المغربية، بحضور قوي في إفريقيا، مع أكثر من 20 خطًا من وإلى المدن والعواصم الإفريقية الكبرى. وهذا ما جعل من الصعب على الخطوط الجوية الجزائرية، شركة الطيران الجزائرية، التنافس على نفس المستوى.
لقد بذلت الجزائر بالفعل جهودا لمواجهة الاستثمارات المغربية، خاصة في أفريقيا. ويشمل ذلك فتح رابط بحري جديدمع موريتانيا، وإنشاء وكالات مصرفية في السنغال، ومحاولة فتح الطرق مع الدول المجاورة لتصدير البضائع.
إلا أن هذه المبادرات واجهت تحديات ولم تحقق أهدافها المرجوة بشكل كامل. لقد تم بالفعل فتح الخط البحري من وهران بالجزائر إلى موريتانيا، لكن فعاليته وتأثيره لم تتحقق بالكامل بعد. وفي القطاع المصرفي، رغم وجود خطط لفتح بنوك جزائرية في العواصم الإفريقية، إلا أنها لم يتم تنفيذها بالكامل. ويمكن أن تكون التحديات التي يواجهها النظام الجزائري في الداخل عاملاً في ذلك.
رياضات
ويمتد التنافس بين الجزائر والمغرب إلى مجال الرياضة، وخاصة كرة القدم. على مر السنين، قامت الجزائر بعدة محاولات لمنافسة المغرب على ملعب كرة القدم، لكن هذه الجهود لم تكن ناجحة دائما.
في البداية، كانت إحدى الأمثلة البارزة عندما انسحب المغرب من بطولة الأمم الأفريقية التي أقيمت في الجزائر بسبب الحظر على تحليق الطائرات المغربية فوق الجزائر. وسلط هذا الحادث الضوء على تشابك الأحداث السياسية والرياضية في الجزائر المحظورة من قبل لوائح الفيفا والاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف).
علاوة على ذلك، واجهت محاولات الجزائر لاستضافة بطولات كرة القدم الكبرى تحديات. على سبيل المثال، لم يتم بعد تحديد الدولة المنظمة لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2025، وبينما تعد الجزائر والمغرب المتنافسين الرئيسيين، فإن الأدوات السياسية المستمرة للجزائر في هذا الحدث أدت إلى تعقيد المناقشات حول مصداقية الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) الذي تتولى الجزائر إدارته. ويتهمها بالانحياز للمغرب دون دليل ملموس.
وفي المقابل، حقق المغرب تحسينات كبيرة في بنيته التحتية لكرة القدم. وتستضيف بانتظام مباريات بين الأندية الأفريقية والمنتخبات الوطنية التي ليس لديها ملاعب تتوافق مع المتطلبات التي حددها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم. وقد وضع هذا المغرب كدولة رائدة من حيث البنية التحتية لكرة القدم في أفريقيا.
بالإضافة إلى ذلك، كان القرار المتأخر للاتحاد الإفريقي لكرة القدم بمنح المغرب شرف تنظيم بطولة 2025، مصدر خلاف. قررت الجزائر، التي شعرت بأنها ستتعرض للإذلال بسبب هذا القرار، الانسحاب من المنافسة، زاعمة أن المغرب استخدم وسائل غير قانونية للتلاعب باللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم. وأطلق سياسيون ووسائل إعلام جزائرية حملة إعلامية ضد المغرب لتشويه جهود البلاد لتنظيم الحدث.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن استضافة مثل هذا الحدث واسع النطاق يتطلب تلبية معايير ومتطلبات معينة وضعها FIFA وCAF. وتتجاوز هذه الملاعب كرة القدم لتشمل البنى التحتية الأخرى مثل المطارات والفنادق والطرق السريعة والقطارات السريعة والنظام النقدي المرن والاتصال العالي بالإنترنت وغيرها. ولسوء الحظ، فإن البنية التحتية للجزائر لم تكن تلبي هذه المتطلبات، مما أدى إلى انهيار حلمها في تنظيم بطولة CAF 2025.
ثقافة
كان التنافس الثقافي الذي بدأته الجزائر قضية مثيرة للجدل، حيث اتهمت الجزائر في كثير من الأحيان بالاستيلاء على عناصر من التراث المغربي غير المادي. ويشمل ذلك شخصيات تاريخية مثل طارق بن زياد، وعروض الفروسية (التبوريدة)، والأطباق وأطباق الطهي (الكسكس والطاجين)، والموسيقى والفولكلور (الكناوة والملحون)، والملابس (القفطان)، والهندسة المعمارية (الزليج: نمط من بلاط الفسيفساء المصنوع من قطع البلاط المنقوشة يدويًا بشكل فردي).
على سبيل المثال، أثار قميص التدريب الجديد المثير للجدل لكرة القدم الجزائري توترات مع المغرب، حيث ادعت المملكة أنها تستولي على “التراث الثقافي” للمغرب لأنها تعتمد على الزليج، وهو نمط تقليدي من بلاط الفسيفساء الشائع في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي.
علاوة على ذلك، اتُهمت الجزائر بمحاولة المطالبة بالقفطان المغربي، وهو لباس مغربي تقليدي، كجزء من تراثها الثقافي. وقد قوبلت هذه الخطوة برد فعل عنيف من المغاربة، الذين لجأ الكثير منهم إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتنديد باستيلاء النظام الجزائري المستمر والعدائي على الثقافة والتاريخ المغربي.
اقرأ أيضًا: الاستيلاء على التراث غير المادي المغربي: ساحة المعركة الجديدة في الجزائر
ولوقف الجدل حول التراث الثقافي غير المادي المغربي، تم إدراج تبوريدة سنة 2021 في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. يُعرف بأنه عرض فروسية مغربية تعود أصوله إلى القرن السادس عشر.
وهو يعيد إنشاء سلسلة من العروض العسكرية، التي أعيد بناؤها وفقا للعادات والطقوس العربية الأمازيغية التقليدية. وبالمثل، حاول المسؤولون الجزائريون الاستيلاء على شجرة الأرغان (Argania spinosa) وجعلها منتجا جزائريا. ولوقف هذا الاستيلاء المنهجي على التراث الثقافي، قررت الأمم المتحدة جعل يوم 10 مايو من كل عام يومًا عالميًا لشجرة الأرغان التي تعرف الأمم المتحدة النبات بأنه “نوع محلي في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في المغرب، في جنوب غرب البلاد”. والتي تنمو في المناطق القاحلة وشبه القاحلة”.
في الختام، يمتد التنافس بين الجزائر والمغرب على جبهات مختلفة، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة. كل من وقد شهدت هذه المجالات سلسلة من المحاولات التي قامت بها الجزائر لمواجهة المغرب، لكن هذه الجهود (الأحلام) واجهت في كثير من الأحيان تحديات ولم تحقق دائما أهدافها المنشودة.
إن الانخراط في حوار مفتوح وبناء مع نظرائهم المغاربة لمعالجة القضايا الخلافية واستكشاف مجالات التعاون المحتملة أمر بالغ الأهمية. وهذا يعزز الحوار والتعاون، وهو أمر ضروري في جميع المجالات، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة. وينبغي تشجيع المنافسة العادلة في المجال الاقتصادي، والحفاظ على أعلى معايير النزاهة والشفافية في الممارسات الاقتصادية. ومن الممكن أن يساعد إعطاء الأولوية للاستثمار في القطاعات الرئيسية مثل صناعة السيارات والقطاع المصرفي في هذا الصدد.
وينبغي الاستثمار أيضا في البنية التحتية الرئيسية مثل المطارات والفنادق والطرق السريعة والقطارات السريعة، ونظام نقدي مرن، واتصال عالي بالإنترنت لتلبية المعايير الدولية لاستضافة الأحداث واسعة النطاق. وهذا مهم بشكل خاص في المجال الرياضي، حيث ينبغي الحفاظ على المنافسة العادلة وأعلى معايير الروح الرياضية.
علاوة على ذلك، فإن الاعتراف بالتراث الثقافي للمغرب واحترامه والامتناع عن الاستيلاء على عناصر التراث غير المادي المغربي أمر حيوي. وينبغي أن يمتد هذا الاحترام للتراث الثقافي ليشمل جميع المجالات، مما يعزز الشعور بالتفاهم والاحترام المتبادل.