جزء من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الوحشي المستمر منذ 76 عاماً هو تمرير القصص المتعلقة بفلسطين (الثقافة اللغة وغيرها)، والآن أصبحت هذه الثقافة مهددة كما لم يحدث من قبل. على مدى الأشهر الأربعة الماضية، رأينا صور القتلى والجرحى، والناس ينتشلون بعضهم البعض من تحت الأنقاض، والآباء يحملون بقايا أطفالهم في أكياس، والأطفال يصرخون وهم يشاهدون والديهم يحترقون.
ولكن إلى جانب الإبادة الجماعية الحقيقية التي تحدث ضد الشعب الفلسطيني، هناك أيضاً جهد مركز من قبل الجيش “الإسرائيلي” ضد ذاكرة الشعب الفلسطيني ووجوده، حيث يقصف المواقع الثقافية والمستشفيات والجامعات والمنازل والكنائس والمساجد، ولعل الأمر الأكثر إثارة للخوف هو تدنيس قبور الأشخاص أنفسهم الذين وضعوهم تحت الأرض، لأنه حتى في الموت لا يستطيع الفلسطينيون تحقيق السلام.
إن التدمير المتعمد للتراث الثقافي هو السمة المميزة للاحتلال والعنف الاستعماري. من الرومان إلى النازيين، قامت القوى الغازية بتدمير القطع الأثرية والمخطوطات والآثار ودور العبادة من أجل السيطرة على الأشخاص الذين استعبدتهم وإزاحتهم ومحو آثارهم. (وما لا يقل غدراً هو الطريقة التي يستولي بها المستعمرون مثل إسرائيل على المحك الثقافي للشعب الذي حاولوا تدميره). إن محو التراث الثقافي في غزة يشكل واحدة من جرائم الحرب العديدة التي تزعم جنوب أفريقيا أن “اسرائيل” ارتكبتها في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها في المحكمة الدولية.
توفر الثقافة الروايات والرموز والروابط الاجتماعية التي من خلالها يفهم الناس أنفسهم والعالم. يقدم التراث الثقافي أدلة على الماضي بينما يرسخ هوية المجموعة وهدفها في الوقت الحاضر. ولهذا السبب، فإن ترسيخ السيطرة على شعب ما، أو استعمار أرضه، أو محو تطلعاته الوطنية، يبدأ بمصادرة فنونه وتحفه وكتبه ومبانيه. إن تدمير التراث الثقافي هو محاولة لتدمير أمل الفلسطينيين.