يراقب كل من المغرب وتونس بالكثير من القلق تطورات ومآل الأزمة الأوكرانية، خاصة أن البلدين يعتبران من كبار مستوردي الأغذية خاصة القمح.
في المغرب تتابع الحكومة تطورات أزمة أوكرانيا في وقت يتوقع أن يتراجع إنتاج المملكة من هذه المادة خلال الموسم الحالي بسبب الجفاف.
وتأتي أوكرانيا وروسيا في المركز الثاني والثالث، بعد فرنسا ضمن مصدري القمح اللين للمغرب، بينما تتبوأ كندا المركز الأول ضمن موردي القمح الصلب للمملكة.
ويعتبر المغرب ثالث مستهلك للقمح في أفريقيا، بعد مصر والجزائر، حيث يتجاوز الاستهلاك 100 مليون قنطار في العام، علما أنه يعد من بين العشر دول في العالم الأكثر استيرادا للحبوب.
ويصل متوسط الاستهلاك الفردي إلى 200 كلغ من القمح في العام، أي ما يمثل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، حيث يعتبر عبر الخبز أهم مكون في النظام الغذائي المحلي.
وترتفع واردات المغرب من القمح حسب مستوى المحصول الذي يتغير من عام لآخر، فقد قفز في الموسم إلى 103.2 ملايين قنطار، بعدما بلغ 32 مليون قنطار في الموسم الذي قبله، و52.3 مليون قنطار في موسم 2018-2018.
ويبقى الاستيراد في المغرب رهينا بمستوى المحاصيل في الموسم السابق، فقد استورد في موسم 2019-2020، نحو 87.5 مليون قنطار، بعد محصول في حدود 52.3 مليون قنطار في موسم 2018-2019.
وإلى غاية نهاية العام الماضي، وصل استيراد المغرب من القمح نحو 46 مليون قنطار من القمح، بعد تسجيل محصول في حدود 103 ملايين قنطار في موسم 2020- 2021.
ولا يؤمن المغرب عبر الإنتاج كل حاجياته من الحبوب. فبين 2014 و2019، لم يغط متوسط الإنتاج من القمح والشعير والذرة، سوى 54% من الحاجيات، حسب المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني.
ويدفع الاستهلاك المحلي المرتفع من القمح بالسلطات العمومية إلى ضمان أسعار بيع القمح اللين لتفادي المنافسة الخارجية، كما تدعم سعر الدقيق المستخرج من القمح اللين بهدف توفير خبز في حدود 1.20 درهم.
وعمد المغرب في ظل ارتفاع أسعار القمح في السوق الدولية والرغبة في تكوين مخزون استراتيجي إلى اتخاذ قرار بتعليق الرسوم الجمركية على استيراد القمح بين نوفمبر الماضي وإبريل/نيسان المقبل.
وبدأت أسعار الحبوب تضغط على فاتورة الغذاء المغربي، فقد لاحظ الوزير المكلف بالموازنة فوزي لقجع، أن سعر الحبوب ارتفع في السوق الدولية بنسبة 34% في العام الماضي مقارنة بالعام الذي قبله.
ويؤكد الحسين أزاز، رئيس الفيدرالية الوطنية لأرباب المخابز، أن الأزمة الأوكرانية، ستؤثر على واردات المغرب من القمح اللين، الذي يعتبر البلدان المتخاصمان أهم مصدر له.
ويشير في تصريح خاص لـ “العربي الجديد” إلى أن المغرب يسعى إلى تنويع مصادر استيراد القمح، غير أنه يلاحظ الأزمة الحالية، يمكن أن تقفز بأسعار ذلك المنتج، الذي وصل في الفترة الأخيرة إلى نحو 40 دولارا.
وينتظر أن ترفع الدولة مخصصات دعم الدقيق في العام الحالي بسبب الأسعار في السوق الدولي، حسب تصريحات الوزير فوزي لقجع، الذي يشير في الوقت نفسه إلى، “التطورات المقلقة المقبلة خاصة الصراع بين روسيا وأوكرانيا”.
وأوضح أن مخصصات الدعم الموجه للدقيق المستخرج من القمح اللين سترتفع إلى 400 مليون دولار في العام الحالي، بعدما قفز إلى حوالي 330 مليون دولار في العام الماضي.
ويرى عبد الرحمن الفكيكي، الفاعل في قطاع المطاحن، في تصريح لـ”العربي الجديد” أن المخاوف من حدوث ارتباك لفترة طويلة في التزود بالحبوب، تزيد مع الجفاف الذي سيدفع المملكة إلى زيادة وارداته من القمح في العام الحالي.
وإذا كان يلاحظ أن الولايات المتحدة وفرنسا، يمكن أن يلجأ إليهما المستوردون المغاربة، كما المستوردون من بلدان أخرى من أجل تأمين الحاجيات في حال تفاقمت الأزمة الأوكرانية، إلا أنه يرى أن ذلك سيقفز بالأسعار على الصعيد الدولي، بما لذلك من تأثيرات على فاتورة الواردات ومخصصات الدعم عبر الموازنة.
وفي تونس يبدي مهتمون بالشأن الاقتصادي مخاوف من وقوع البلاد تحت تأثيرات صدمة الغذاء الذي قد يحدثها تواصل الأزمة الروسية الأكرانية نظرا لاعتمادها على قمح الشمال في أكثر من 70% من وارداتها من الحبوب، بينما تعاني تونس من ضعف مخزونات الحبوب.
ورغم أن المبادلات التجارية التونسية الأوكرانية لا تتعدى 300 مليون دولار سنويا، إلا أن القلق بشأن تأثيرات التصعيد الروسي الأوكراني يظل قائما بسبب تأثير الأزمة على برمجة واردات القمح والمواد النفطية من البلدين. وتونس زبون وفيّ لقمح ونفط الشمال الذي يتم توريده من كل من أوكرانيا وروسيا وبدرجة أقل بلغاريا.
ويرجّح الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف أن تؤثر الأزمة بين البلدين على مختلف البلدان الموردة للمواد الحيوية القادمة من دول الشمال وروسيا، مؤكدا أن أغلب الدول العربية تعوّل على القمح الروسي والأكراني لتوفير الغذاء لشعوبها ومن بينها تونس.
وبحسب الشريف فإن الأزمة ستوفّر مناخا خصبا للتجار في الأسواق العالمية لزيادة الأسعار، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على ميزانيات الدول الموردة للحبوب من منطقة التوترات، مشيرا إلى أن تونس ليست بمنأى عن هذه التأثيرات.
وأفاد في سياق متصل بأن زيادة الأسعار في السوق العالمية سيجبر الحكومة على زيادة مخصصات الدعم الموجهة للخبر والمعجنات أو الذهاب إلى الزيادة في الأسعار لتجّنب عجز إضافي في الموازنة.
في تونس يبدي مهتمون بالشأن الاقتصادي مخاوف من وقوع البلاد تحت تأثيرات صدمة الغذاء الذي قد يحدثها تواصل الأزمة الروسية الأكرانية نظرا لاعتمادها على قمح الشمال في أكثر من 70% من وارداتها من الحبوب
وتشهد السنوات الأخيرة توجها نحو التوريد من أسواق محددة، إذ تستورد تونس نحو 80% من القمح من منطقة البحر الأسود وأساسا روسيا وأوكرانيا، وبدرجة أقل تستورد أيضا من فرنسا وبلغاريا، وتعد تونس أكثر عرضة لصدمات أسعار الغذاء الدائمة.
وتعتبر تونس من بين أكبر البلدان المستوردة للحبوب، حيث تتراوح احتياجات البلاد من هذه المادة الحيوية بين 30 و32 مليون قنطار سنويا، ولا تنتج منها إلا 10 ملايين قنطار، ويعود ذلك بالأساس إلى خلل منظومتي الاستهلاك والدعم.
وتستورد تونس قرابة 70% من حاجياتها من الحبوب، وذلك بالأسعار العالمية التي شهدت في الأشهر الأخيرة ارتفاعا ملحوظا، ليتجاوز سعر القنطار 110 دنانير عند وصوله إلى البلاد، حيث يكلف استيراد القمح الدولة ما بين 1.6 و2 مليار دينار سنويا تسددها تونس بالعملة الأجنبية.
وينتقد عضو منظمة المزارعين محمد رجايبية إهمال السياسات الغذائية التي تحمي تونس من الأزمات العالمية، متوقعا أن تكون البلاد تحت تأثير أي تقلبات في السوق العالمية للغذاء.
وأفاد في تصريح لـ”العربي الجديد” بأن السلطة في تونس ترفض دعم الزراعة المحلية للحبوب مقابل قبول كل شروط وأسعار السوق العالمية، وهو ما يهدد الأمن الغذائي للتونسيين المصنفين من بين أكثر الدول استهلاكا للحبوب.
وكشف تقرير عن منظمة الأغذية والزراعة “فاو”، أن واردات تونس من الحبوب لموسم 2020/ 2021 ستزداد بنسبة 20% مقارنة مع الموسم السابق، وذلك إلى 3.8 ملايين طن.
وقالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، إن ذلك يعود للتوقعات بتراجع محصول الحبوب بواقع الثلث هذا العام.
وتواجه تونس صعوبات سداد فواتير واردات القمح، حيث تستمر أزمة تفريغ شحنات القمح بموانئ تونسية نتيجة عدم القدرة على توفير الاعتمادات لخلاص الموردين الذين يطلبون الدفع المسبق.
المصدر: العربي الجديد