شهدت البنوك التونسية انخفاضاً كبيراً في النتيجة الصافية خلال عام 2020، وقد تراجعت النتيجة الصافية للقطاع البنكي التونسي، بنسبة 37.9 في المئة، في حين كانت قد سجلت ارتفاعاً عام 2019 قدر بـ13.5 في المئة، ولم تتجاوز قيمتها 815 مليون دينار (291 مليون دولار) عام 2020، بحسب ما كشف عنه البنك المركزي التونسي في تقريره السنوي حول الرقابة المالية الذي صدر هذا الأسبوع.
تداعيات كورونا
وفسّر البنك هذا الانخفاض بتداعيات جائحة كورونا والظرف الصحي الذي عرفته تونس، ما فرض وضع إجراءات مساندة عاجلة وضرورية دفعت إلى ضرورة التخفيض في نسبة الفائدة المديرية (العامة)، وارتفاع مخصصات المدخرات، وتصحيح قيم المستحقات، وإضافة عناصر خارج الموازنة والخصوم بقيمة 507 ملايين دينار (181 مليون دولار)، أي بنسبة 62.6 في المئة.
جمود القطاعات
وحقق القطاع البنكي ارتفاعاً في مداخيله عام 2021، واعتبر محللون تحدثت إليهم “اندبندنت عربية” أن المسار الذي مرّت به المؤسسات البنكية منذ 2019 إلى عام 2021 بدا بديهياً بحكم انعكاسات الجمود الذي شهدته القطاعات الاقتصادية بسبب الجائحة، ثم استعادة النشاط في العام المنقضي، لكنهم استبعدوا تصاعد التطور الحاصل عام 2021 في العام الراهن بحكم مناخ عدم اليقين الذي يسود الواقع المالي والاقتصادي التونسي.
التذبذب
وكشف البنك المركزي عن أن 15 بنكاً تونسياً حقق نتائج إيجابية عام 2020، بأرباح متراكمة قدرت قيمتها بـ1.069 مليار دينار (378 مليون دولار)، بينما حقق 16 بنكاً أرباحاً متراكمة قدرها 1.478 مليار دينار (525 مليون دولار) خلال عام 2019، في حين تكبدت ثمانية بنوك خسائر بقيمة 245 مليون دينار (87.5 مليون دولار) عام 2020، كما سجلت خسائر لدى سبعة بنوك قدرت بـ165 مليون دينار (58.9 مليون دولار) عام 2019، ورخص البنك المركزي للبنوك والمؤسسات المالية التونسية بتوزيع أرباح بعنوان العامين الماليين 2019 و2020، وأتى ذلك بعد تعليق توزيعها بعنوان العام المالي 2019 تنفيذاً للإجراءات الاستثنائية التي اتخذت بسبب تفشي الجائحة.
ويبلغ عدد البنوك والمؤسسات المالية في تونس 42 مؤسسة، وهي 23 بنكاً مقيماً، وثماني مؤسسات إيجار مالي ومؤسستا إدارة ديون وبنكا أعمال وسبعة بنوك غير مقيمة، وتطورت الموارد البنكية عام 2020 بـ7.6 مليار دينار (2.7 مليار دولار) بنسبة 9.2 في المئة، وشمل تطور الإيداعات تلك المحررة بالدينار 12.4 في المئة مقابل 11.7 في المئة، وأيضاً مقابل تواصل تراجع الإيداعات بالعملة الأجنبية 0.5 في المئة عام 2020 مقابل0.7 عام 2019.
الاقتراض
وسجلت موارد الاقتراض متوسط وطويل الأجل عام 2020 تطوراً بنسبة سبعة في المئة، مقابل 6.5 في المئة عام 2019، ويعود هذا التطور إلى ازدياد القروض الرقاعية بـ278 مليون دينار (99.2 مليون دولار) أو15.8 في المئة، والقروض الأخرى بـ268 مليون دينار (95.7 مليون دولار) أو 33.8 في المئة في وقت عرفت الموارد الخصوصية ركوداً.
وتم إنجاز أهم إصدارات القروض الرقاعية عام 2020 من قبل بنك الأمان، 140 مليون دينار (50 مليون دولار)، والبنك العربي لتونس (100 مليون دينار (35.7 مليون دولار)، والبنك الوطني الفلاحي (70 مليون دينار/ 25 مليون دولار)، والشركة التونسية للبنك 50 مليون دينار (17.8 مليون دولار).
تطورات عودة النشاط
وحققت البنوك التونسية تطوراً عام 2021 بالتوازي مع عودة النشاط بعد فترات الغلق بسبب الجائحة، وبلغت مداخيل بنك الأمان 455.1 مليون دينار (162.5 مليون دولار) مقابل 400.5 مليون دينار (143 مليون دولار) عام 2020 بارتفاع قيمته 13.6 في المئة، وتصاعدت العائدات الصافية لبنك التجاري بنك بنسبة 7.3 في المئة، وبلغت 523 مليون دينار (186.7 مليون دولار)، وأعلن البنك الوطني الفلاحي تحقيق عائدات قياسية عام 2021 قيمتها 829 مليون دينار (296 مليون دولار) مقابل 690 مليون دينار (246.4 مليون دولار) في العام الذي سبقه بزيادة قدرها 20 في المئة.
وسجل بنك الاتحاد الدولي للبنوك ارتفاعاً في مداخيله الصافية بنسبة 10 في المئة ليصل إلى 442.5 مليون دينار (158 مليون دولار)، بينما لم تتجاوز 402.2 مليون دينار (143.6 مليون دولار) عام 2020، وقفزت العائدات الصافية لبنك الوفاق من 31.7 مليون دينار (11.3 مليون دولار) عام 2020 إلى 49.6 مليون دينار (17.71 مليون دولار)، وتحسنت عائدات الشركة التونسية للبنك بنسبة 3.81 في المئة لتصل إلى 649.5 مليون دينار (231.9 مليون دولار).
عائدات الاستثمار
كما حقق الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة عائدات صافية قيمتها 263.2 مليون دينار (94 مليون دولار) بتطور قيمته تسعة في المئة، وارتفعت عائدات البنك العربي لتونس بنسبة 13.7 في المئة لتصل إلى 298 مليون دينار (106.4 مليون دولار)، وحقق بنك تونس الإمارات ارتفاعاً في مداخيله بقيمة 15.3 في المئة، ليبلغ 123.2 مليون دينار (44 مليون دولار) بفعل زيادة في عمليات الصرف بنسبة 81.2 في المئة والعمولة بنسبة 30.4 في المئة وعائدات استثمارات المحفظة بـ20.1 في المئة.
انعكاسات الجائحة
ويمثل الارتفاع الحاصل في المداخيل الصافية للبنوك عام 2021 انعكاساً لاسترجاع للنشاط بعد الركود الذي سجل عام 2020 وفق الخبير الاقتصادي جمال بن جميع، وبناء على ذلك، فهو لا يجسد التطور المنشود ولا يصنف تحسناً في العائدات، وأضحى عام 2020 الاستثنائي منعرجاً لا يمكن اعتماده لقياس مدى تطور العائدات لدى البنوك التونسية في العام الذي تلاه، وقد اتسم بالتوقف التام عن النشاط الاقتصادي لمدة ثلاثة أشهر وبالركود التام كانعكاس حتمي لهذا التوقف بقية العام.
وتراجعت موارد البنوك بسبب الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة بالتوازي مع الغلق والحجر العام بحكم جائحة كورونا، وأهمها تأجيل سداد الديون لدى جميع العملاء من أشخاص طبيعيين ومعنويين بإمهالهم مدة تراوحت بين ثلاثة وستة أشهر، كما نتج عن غلق الحدود انعدام الموارد المتأتية من العمولات عن الصرف بسبب توقف عمليات التوريد والتصدير للسلع، إضافة إلى الاضطراب الذي سجل في حركة النقل والطيران والخدمات والسياحة واضمحلال مداخيل العملة الصعبة، ومن البديهي أن تتراجع المداخيل الصافية عام 2020 بنسبة 37.9 في المئة، وسجلت تونس نسبة نمو سلبي بلغت تسعة في المئة في العام نفسه.
خفض الفائدة
ورأى المحلل الاقتصادي غازي معلى أن التخفيض في نسبة الفائدة أثر سلباً على العائدات الصافية للبنوك التونسية، وتم التخفيض في نسبة الفائدة المديرية (العامة) ثلاث مرات بين عامي 2019 و2020 من 6.75 في المئة إلى 6.5 في المئة، وصولاً إلى 6.25 في المئة على التوالي، ولم يتم الترفيع فيها بعد ذلك، علاوة على التوقف عن الإيفاء بالالتزامات المالية من قبل العملاء ومدة الإمهال التي حصلوا عليها.
كما ألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها على السوق المالية، وعمقت الإجراءات الاجتماعية المذكورة لمساندة المؤسسات التونسية أو الفئات المتوسطة الدخل في ظل الجائحة، الأزمة الاقتصادية والضائقة المالية التي تمر بها البلاد، ونتج عن تراتيب الغلق إيقاف الإنتاج والتصدير ونضوب موارد العملات، وإن شهدت عام 2021 قفزة في تطور عائدات البنوك، فهي لا تزيد على حركة استرجاع النشاط مقارنة بعام استثنائي، وهو 2020، ويثير إقراض البنوك التونسية للدولة المخاوف بحكم انحراف المؤسسات البنكية بذلك عن دورها الحيوي وهو تمويل الاقتصاد، ولا ينتظر في الوقت الراهن، نسق تصاعدي مبني على التطور الحاصل لعام 2021 في موارد البنوك، في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية الحاصلة وحال عدم اليقين التي تسود المناخ الاقتصادي، ويمثل تراجع الاستثمار الخارجي، بل انعدامه، أهم مؤشر على ذلك.
المصدر: independentarabia