تعهّد فرنسي بدعم مفاوضات تونس مع «صندوق النقد الدولي» وتوقيع حزمة من الاتفاقيات الثنائية، كانا أبرز ما كُللت به الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء الفرنسي جان كاستاكس التي استمرت يومين، وشارك فيها وفد وزاري وعدد من رؤساء المؤسسات الاقتصادية الفرنسية.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التونسي، في العاصمة تونس، في وقت متأخر يوم الخميس، شدّد رئيس الحكومة الفرنسي على دعم بلاده للإصلاحات الاقتصادية التي تعتزم تونس تنفيذها في إطار نقاشاتها مع «صندوق النقد الدولي».
وقال «ندعم تونس في الإصلاحات الاقتصادية التي يجب أن تتحقق في أقرب الآجال، وأيضا عليها التحكم في حجم المديونية».
وتُجري تونس، حاليا، مفاوضات مع «صندوق النقد الدولي» للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار.
ويتضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي لحكومة المشيشي إلغاء دعم المواد الأساسية تدريجياً على مراحل خلال السنوات الأربع المقبلة، وتوجيهه إلى مستحقيه، فضلا عن تقليص كتلة الأجور الحكومية وإصلاح الجباية والمؤسسات العمومية.
وتقدّر نفقات الدعم بـ 6.2 مليار دينار (2.25 مليار دولار) في عام 2021، مقابل 4.1 مليار دينار (1.5 مليار دولار) في عام 2020.
وتعاني تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة مع عجز مالي بلغ 11.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي أول مرة في نهاية 2020، فيما انكمش الاقتصاد بنسبة 8.8 في المئة بسبب تداعيات أزمة كورونا.
وفي الإجمال تحتاج تونس إلى اقتراض 7.2 مليار دولار، من بينها نحو 5 مليار دولار في شكل قروض خارجية.
يقول الخبير الاقتصادي التونسي رضا الشكندالي أن»إعلان فرنسا دعم تونس ومساعدتها اقتصاديا يعود للموقع الجغرافي الجيوستراتيجي لبلادنا الذي يخول باريس الاستفادة من ملف إعادة إعمار ليبيا» هذا إضافة إلى أنه «ليس من مصلحة فرنسا أن تمر تونس بأزمة اقتصادية خانقة».
وشدد الخبير الاقتصادي على أن «الأهم في هذه الزيارة هو أن صندوق النقد الدولي اشترط لتوقيع اتفاق قرض مع تونس إمضاء الدول الشريكة لتونس، ومن بينها فرنسا، لضمان تنفيذها الإصلاحات الاقتصادية التي يطلبها الصندوق».
وتابع «ما زلنا في مرحلة الوعود، ولم نلمس شيئا على أرض الواقع (في إشارة إلى التعهدات الفرنسية) ربما هناك اشتراطات على مستوى المساعدة الفرنسية».
وأوضح أن «شروط إمضاء فرنسا لضمان اقتراض تونس من صندوق النقد الدولي غير معلومة، ربما تتمثل في التزام تونس بتطبيق إصلاحات معينة، والتعهد بالاستفادة من الموقع الإستراتيجي لتونس مع ليبيا، عبر تفعيل حصص فرنسا من ملف إعادة إعمار ليبيا».
وإضافة إلى التعهد الفرنسي بدعم طلب تونس الاقتراض من «صندوق النقد الدولي» تم توقيع إعلان سياسي مشترك و7 اتفاقيات وإقرار خريطة طريق.
وتتمثل أبرز الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في اتفاقية قرض سيادي بقيمة 41 مليون يورو لصالح ديوان البحرية التجاريّة والموانئ، واتفاقية تمويل بـ 300 ألف يورو في شكل هبة لبعث نظام تصرف بيئي واجتماعي بديوان البحرية.
كما تم توقيع ضمان الدّولة التونسيّة لاتفاقية قرض سيادي بقيمة 40 مليون يورو لتمويل مشروع يهدف إلى الرفع من القدرات التونسية لمجابهة الكوارث الطبيعيّة.
إلى جانب اتفاقيّة شراكة لتطوير القدرات الصناعيّة والبيئيّة لمحطتي تحلية المياه، بين كلّ من الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه الحكومية والوكالة الفرنسيّة للتنمية، بالإضافة إلى إمضاء وثيقتي إعلان نوايا في المجالين الرقمي والتجاري، واتفاق إداري في المجال الفلاحي.
كما كانت زيارة رئيس الوزراء الفرنسي إلى تونس مناسبة لبحث التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات الأمن والهجرة.
وفي هذا الصدد، أعلن كاستاكس أن لقاءاته برئيسي الجمهورية والحكومة تطرّقت إلى دعم التعاون مع تونس في مجال الهجرة غير النظامية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
كما ناقش كاستاكس مع الرئيس التونسي «التعاون لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، إلى جانب التطرق إلى عدة قضايا في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الاستعدادات لاحتضان تونس للقمة الفرانكوفونية أواخر العام الجاري».
ومثلت باريس الوجهة الأوروبية الأولى للرئيس سعيّد منذ توليه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وتعد فرنسا شريكاً تجارياً ومالياً بارزا لتونس، إذ كانت في عام 2019 شريكها التجاري الأول، وبلغت حصة فرنسا نحو 29.1 في المئة من الصادرات التونسية، فيما بلغت حصتها من الواردات التونسية 14.3 في المئة، حسب أرقام لوزارة الخارجية الفرنسية.
على صعيد آخر طالب الرئيس التونسي قيس سعيد أمس الجمعة في بروكسل بتحويل الديون المستحقة للاتحاد الأوروبي إلى استثمارات، في وقت تعاني فيه تونس من وضع اقتصادي خانق.
ويشارك الرئيس سعيد في قمة تونس-الاتحاد الأوروبي الثانية ويسعى خلال محادثاته مع مسؤولي المفوضية الأوروبية إلى التوصل لاتفاق لإعادة جدولة ديون تونس وتحويلها لاستثمارات من أجل التنمية ودعم قطاع الصحة بالخصوص وتوفير فرص عمل للشباب والعاطلين.
وقال سعيد في بيان صحفي من رئاسة الجمهورية إن «تونس تدرك حاجتها للقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية جوهرية، وهي تعول في ذلك على إمكانياتها الوطنية، بدرجة أولى، وكذلك على دعم شركائها في العالم وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي».
من جانبها أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التزام مفوضية الاتحاد الأوروبي بالوقوف إلى جانب شريكها الاستراتيجي تونس ومساعدتها على جذب الاستثمارات ووضع خبراتها وتجاربها على ذمتها لا سيما في مجالات تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة والاقتصاد الأخضر والتربية والتعليم والتشغيل.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي وهو الشريك الاقتصادي الأول لتونس، وافق قبل أسبوع على صرف 300 مليون يورو لمساعدة تونس على مجابهة تداعيات وباء كورونا من برنامج مساعدات بقيمة إجمالية تناهز 600 مليون يورو تم الاتفاق عليه منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.