وتتزامن هذه المحادثات مع تصريحات خارجية، وصفها البعض بأنها ابتزاز لتونس ومؤشر مقلق سيؤثر سلبا على مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، آخرها تصريح ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الذي أشار فيه إلى إمكانية تعليق المساعدات المالية المقدمة إلى تونس من الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان في حديثه لـ “سبوتنيك”، أنه من الصعب أن تؤدي المحادثات التي تجريها تونس حاليا مع صندوق النقد الدولي إلى اتفاق.
وقال سعيدان إن الحكومة التونسية تقدمت في أبريل المنقضي بطلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليار دولار، لكنه قوبل برفض قاطع من الاتحاد العام التونسي للشعل، وهو ما دفع الصندوق هذه المرة إلى اشتراط وجود توافق داخلي بين الحكومة واتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة.
وأضاف “يبدو أن هذا التوافق حاليا بعيد المنال، خاصة وأن الاتحاد رفع الفيتو أمام ثلاث إصلاحات رئيسية تتعلق بخفض كتلة الأجور ورفع الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية”.
وتساءل سعيدان “من أين ستوفر تونس الاعتمادات المالية لموازنة الدولة لسنة 2022 وهي التي عولت على اقتراض ما يزيد عن 12 مليار دينار من الخارج في غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى حد الآن في ظل ضعف قدرة السوق الداخلية التي لا تتجاوز 2.5 مليار دينار سنويا؟”.
ضغوطات خارجية تصعّب التفاوض
ويرى سعيدان أن تصريحات ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، الذي لوح قبل يومين بقطع المساعدات المالية الموجهة مباشرة إلى ميزانية الدولة التونسية ستؤثر على مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وتابع “إذا كان الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأكبر لتونس يحمل مثل هذا الموقف من تونس، فكيف نتوقع النجاح للاتفاق الذي ترغب تونس في التوصل إليه مع الصندوق؟”.
بدوره، قال وزير المالية الأسبق حسين الديماسي لـ “سبوتنيك”، إن مواقف الدول والمؤسسات المانحة تلعب دورا أساسيا في إنجاح عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
واعتبر أن تصريح بوريل منطقي وغير مستغرب، موضحا “تقاليد الدول أو المؤسسات المانحة على غرار البنك الأوروبي والأفريقي والبنك الدولي تستند على قاعدة منح القروض شريطة الالتزام بإنفاقها على برامج محددة أو مشاريع اقتصادية واجتماعية”.
وأضاف أن التجربة أثبتت أن تونس تقترض لتمويل عجز موازنتها وسداد ديونها السابقة، مشيرا إلى أن غياب اتفاق قريب مع صندوق النقد الدولي سيؤدي إلى إحجام الأطراف المانحة عن تقديم قروض جديدة إلى تونس.
ويتفق الديماسي مع ما ذهب إليه سعيدان من أن تونس ستجد صعوبات كبرى في التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، خاصة وأنها التجأت إليه أكثر من مرة دون نتيجة تذكر في الإصلاحات المطلوبة منها.
وصفة إصلاحات خاطئة
وفي تصريح لـ “سبوتنيك”، لفت الخبير الاقتصادي جمال الدين عويديدي إلى أن تونس ستجد نفسها أمام مأزق قد يفضي إلى تصعيد اجتماعي.
واعتبر أن المحادثات مع صندوق النقد الدولي على أهميتها فإنها لا تبرر الاصطفاف وراء وصفة إصلاحات خاطئة وجهت إليها أسهم الانتقادات من عدة أطراف وحتى من قبل خبراء الصندوق، وفقا لقوله.
وأضاف عويديدي “من الخطأ أن تَمضي هذه الحكومة في التمسك بنفس برنامج الإصلاحات الذي طرح قبل 9 سنوات والذي أدى إلى تدني نسبة النمو على اعتبار أن وصفة الصندوق تشترط تقليص النفقات”.
وقال “حتى لو توصلت السلطات التونسية إلى اتفاق مع صندوق النقد، فإن هذا الاتفاق لن يحل الأزمة، على اعتبار أن خط التمويل سيكون بقيمة 4 مليار دولار ستوزع على أربع سنوات، بمعنى أن تونس ستتحصل على مليار دولار في السنة أي ما يعادل 2.9 مليار دينار، في حين أن البلاد تسجل عجزا في ميزانها التجاري بـ 2.4 مليار دينار شهريا”.
ولفت عويديدي إلى أن تونس يجب أن تقطع مع مسألة البحث عن قروض جديدة من أجل سداد ديون قديمة، وأن تبحث عن آليات لدفع النمو وخلق الثروة عبر القيمة المضافة والقطاعات المنتجة بجميع أنواعها، وفي مقدمتها الفلاحة ومقاومة التصحر الصناعي.
واعتبر أن هذه الحلول هي حلول عاجلة وليست آجلة، مشيرا إلى أن المعالجة يجب أن تكون من أصل الداء وليس عن طريق حلول “ترقيعية” تؤجل الأزمة ثم تعيد إنتاجها.
المصدر: سبوتنيك