يترقب سكان المناطق الحدودية بين الجزائر وتونس تغييراً في سياسات التنمية التي تعتمدها سلطات البلدين إزاءهم. فقد دأب المسؤولون، لا سيما أثناء زياراتهم تلك المناطق، على تكرار شعارات التنمية المقرونة بالحديث عن الأخوة والجيرة والتاريخ المشترك. لكن الوعود كلها تذهب أدراج الرياح مع مغادرة المسؤولين المنطقة واختتام المهرجانات.
ومع تحسن العلاقات بين البلدين، خصوصاً منذ انتخاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يأمل السكان تحريك شؤون منطقتهم. وقد تنامت الآمال بعد تصريح الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمن بأن تنمية المناطق الحدودية أولوية بالنسبة إلى الجزائر وتونس.
تأكيدات
وأكد عبد الرحمن، خلال مشاركته في احتفالات الذكرى الـ64 لأحداث “ساقية سيدي يوسف”، أن من أبرز الأوليات التي ستكون بلا شك موضوع تشاور وتنسيق مستمرين بين حكومتينا، تحقيق التنمية والتكامل بين المناطق الحدودية الجزائرية والتونسية. وكشف أن البحث جار عن تصورات جديدة ومشاريع تنموية مبتكرة من شأنها أن تكون أكثر واقعية وتعود بالمنفعة المتبادلة والمشتركة لسكان هذه المناطق.
وخلال المناسبة نفسها، دعت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن مسؤولي المناطق الحدودية إلى تكثيف التواصل تثميناً لآليات التعاون القائمة واستكشاف فرص التعاون وتشجيع مبادرات القطاع الخاص ضمن مشاريع مشتركة بين البلدين. وعبرت بودن عن حرص قيادتي تونس والجزائر على تكريس التواصل والتشاور بين البلدين والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى أرفع المراتب والمستويات. وأشادت بوقوف الجزائر الدائم إلى جانب تونس وحرص القيادة الجزائرية على تقديم الدعم.
تبرير وحملات أمنية
بالنسبة إلى كثيرين من سكان المناطق الحدودية الجزائرية والتونسية، يوفر تهريب السلع مهنة مبررة ورابحة وصمام أمان يخفف بعض الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحتها سكان الحدود.
ويبرر البعض تهريب السلع بأنه يبعد الحاجة إلى تهريب المخدرات والأسلحة والإرهابيين. لكن ذلك لم يمنع تنظيم حملات أمنية تستهدف مهربين وعصابات.
نيات تصطدم بغياب التفعيل
إلى ذلك، يلاحظ الحقوقي الجزائري آدم مقراني، أن “التصريحات الإعلامية بشأن ضرورة تنمية المناطق الحدودية تنطلق خلال تبادل الزيارات بين المسؤولين التونسيين والجزائريين”، واضعاً “تصريح الوزير الأول الجزائري في هذا الإطار، ليؤكد العمق الاستراتيجي لهذه المناطق”.
ويلفت إلى أن “المناطق الحدودية بين البلدين تشكل منطقة عبور لشبكات التهريب، إضافة إلى استقطابها الجماعات الإرهابية خصوصاً على الجانب التونسي، ما يجعل السكان الذين يعانون من التهميش وغياب التوزيع العادل للثروات عرضة لاستغلال هذه الشبكات الإجرامية”.
ويذكر مقراني بتكرار “الحديث عن نية مشتركة لبعث مناطق تجارية حرة على الشريط الحدودي كي تكون قطاراً للتنمية، ولتحريك الاقتصاد وتوفير فرص عمل تمتص نسبياً البطالة وما ينتج عنها من ظواهر اجتماعية غير سوية”، مشيراً إلى أن “هذه النيات تصطدم في كل مرة بغياب التفعيل الميداني، ما يفقدها صدقية لدى المتابعين، بل صارت ملازمة للزيارات الرسمية”.
وعلى الرغم من ذلك، يأمل مقراني أن “تكون تصريحات عبد الرحمن تجسيداً لرغبة سياسية حقيقية في تنمية المناطق الحدودية، تماشياً مع التحالف الاستراتيجي بين الجزائر وتونس، خصوصاً بعد زيارة الرئيس الجزائري إلى تونس”.
دفع عجلة الاقتصاد
ويعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد عدنان، أن “المناطق الحدودية التونسية الجزائرية تعد همزة وصل بين ليبيا وتونس والجزائر، لذا تبدي الجزائر حرصاً على أمن الحدود، وتتبعها في ذلك تونس”.
ويعتقد عدنان أن “الاهتمام بتنمية هذه المناطق يندرج في سياق كبح جماح التهريب والهجرة غير الشرعية، والاستعداد لأي محاولة تسلل للمرتزقة من ليبيا”.
ويتابع عدنان أنه بالعودة إلى الماضي القريب، “نجد أن تلك المناطق كانت وما زالت تشكل تهديداً للأمن القومي الجزائري والتونسي على حد السواء، وحادثة اقتحام المركب الغازي تيغنتورين، واختطاف محافظة منطقة إليزي، واعتداءات جبل الشعانبي، إضافة إلى الجريمة المنظمة العابرة للحدود، كلها عوامل تستدعي الاهتمام بتنمية المناطق الحدودية وتمكينها من لعب دور في دفع عجلة الاقتصاد”.
independentarabia