يعتزم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إبرام اتفاق مع إيطاليا لوقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط وإعادتهم إلى شمال أفريقيا.
ويأتي الدخول البريطاني على خط التحركات الأوروبية لوقف تدفق الهجرة في وقت ما تزال فيه تونس لم تحسم أمرها بشأن توقيع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يعقد وضعها في ظل إصرار أوروبا على وضع خطط حاسمة لوقف تدفقات المهاجرين.
ويرى مراقبون أن من مصلحة تونس أن تسارع لحسم موقفها بشأن الاتفاق الذي عرضه عليها الاتحاد الأوروبي، حتى لا تجد أن الوقت قد فات، وتجد نفسها خارج اتفاق يمسّها بشكل مباشر، مشيرين إلى أن أوروبا لن تستمر بالانتظار، وأنها قد تمر إلى خطوات عملية لوقف تدفقات الهجرة باعتماد الخيار الأمني.
ومن شأن دخول بريطانيا على خط الأزمة أن يعطي بعدا أكثر جدية لأجل تسريع المصادقة على الاتفاق، فهي متضررة من تدفقات الهجرة، وجربت خططا لترحيل اللاجئين إلى دولة ثالثة ثم فشلت، كما تقوم بدورات مكثفة لمواجهة قوارب تهريب البشر على حدودها مع فرنسا، ويمكنها أن تقوم بذلك في المياه البحرية قبالة تونس، وهي قوة بحرية متمكنة ولديها قواعد في المتوسط.
ويحذر المراقبون من أن الانتظار ليس في مصلحة تونس، فالأفضل أن تواجه الهجرة غير النظامية ضمن اتفاق يضمن حقوقها ويعطيها دعما ماليا ودفعا اقتصاديا بدل أن تجد نفسها في مواجهة حقيقة جديدة تتولى فيها أوروبا إرجاع المهاجرين إلى الدول التي انطلقوا منها، وعلى رأسها تونس.
وتوجد الآن بوارج أمام سواحل تونس ترجع المهاجرين غير الشرعيين، فماذا ستفعل الحكومة التونسية لو أن هذا يصبح قرارا من جانب واحد؟
ومن المهم الآن أن تنظر تونس إلى الوضع بأكثر جدية، وأن تتجه إلى إعداد مذكرة عمل وطنية بالتنسيق مع الأوروبيين لإقرار موقف رسمي واضح بشأن طرق التعامل مع الهجرة غير النظامية.
ويمكن التحرك لعقد ورشة طوارئ وطنية تجمع مختلف المتخصصين في تونس لتقديم خطة متفق عليها يمكن للأوروبيين التعامل معها.
ولا يمكن للأوروبيين أن ينتظروا وقتا طويلا من أجل أن تحسم تونس أمرها من الداخل، خاصة أن الصورة قد اتضحت، وأن المطلوب هو تعاون مشترك من أجل مواجهة الهجرة تحصل فيه تونس على مزايا كثيرة بعضها عاجل وبعضها الآخر يتم تحصيله مع الوقت.
ونجح الرئيس التونسي قيس سعيد في توضيح موقفه مرارا وتكرارا بشأن القضايا الملتبسة وخاصة موضوع التوطين أو التخوف من لعب دور “شرطي المتوسط”. وعرف التونسيون هذا واضحا، وكذلك الأوروبيون.
ولهذا يعتقد المراقبون أن الرسائل التونسية السياسية الداخلية والخارجية تم تبادلها واستهلاكها، ومن الضروري المرور إلى الأفعال وضبط سقف زمني واضح للتصديق على الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، واغتنام الفرصة لكسر الجمود مع صندوق النقد.
وتمكن الاستفادة من التفهم الأوروبي والرغبة في بناء شراكة على قاعدة تبادل المصالح، والتي بدت واضحة في بيان المجلس الأوروبي، الجمعة، بعد اجتماع القادة.
ورحب المجلس في بيان له بـ”العمل المنجز بشأن حزمة شراكة شاملة متبادلة المنفعة مع تونس، تستند إلى ركائز التنمية الاقتصادية والاستثمار والتجارة، وانتقال الطاقة الخضراء، والهجرة والاتصالات بين الناس، ويدعم استئناف الحوار السياسي في إطار اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس”.
ومن شأن استمرار التردد التونسي في حسم الموقف من الاتفاق أن يجعل تونس تواجه المزيد من الضغوط خاصة بانضمام بريطانيا إلى حراك التصدي للهجرة.
وقالت صحيفة تليغراف الجمعة إن سوناك أرسل سكرتير مجلس الوزراء ورئيس جهاز الخدمة المدنية سايمون كيس إلى إيطاليا منتصف يونيو لعقد اجتماعات على مدى يومين مع كبار المسؤولين في الحكومة الإيطالية للعمل على اتفاق.
ونقلت الصحيفة عن مصدر حكومي قوله “إذا كنا نريد النجاح في معالجة قضية الهجرة غير الشرعية فعلينا التعامل مع القضية من المصدر وكذلك التركيز على القوارب الصغيرة”.
ووقعت بريطانيا وإيطاليا مذكرة تفاهم في أبريل الماضي للتصدي للهجرة غير الشرعية في إطار “شراكة الهجرة الإستراتيجية”.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية “نتعاون عن كثب مع إيطاليا وشركاء أوروبيين آخرين لوقف الهجرة غير الشرعية والتصدي لعصابات تهريب البشر التي تعمل عبر الحدود… إن هذا تحد مشترك”.
ووفقا للأرقام الحكومية، سجلت بريطانيا رقما قياسيا بلغ 45 ألف شخص أتوا إلى أراضيها في قوارب صغيرة عبر القنال الإنجليزي العام الماضي، معظمهم من فرنسا. وقالت الحكومة إن أكثر من 11 ألفا دخلوا أراضيها منذ بداية هذا العام.
ويركز سوناك المنتمي لحزب المحافظين على إيقاف وصول القوارب وجعل هذه القضية إحدى أولوياته الخمس الأهم.
ويتعرّض سوناك لانتقادات من بعض أعضاء الحزب والشعب البريطاني لعدم تحركه بالسرعة الكافية لوقف الهجرة غير الشرعية.
العرب