عاد ملف التوتر بين الجزائر والمغرب ليُفتح من جديد بعد اتهام الجزائر للرباط بقتل مدنيين خارج ما قالت إنه “حدود إقليم الصحراء الغربية”، باستخدام “أسلحة متطورة”، ما يؤشر إلى مرحلة جديدة ساخنة من “خصام الإخوة” ما لم تتدخل الأمم المتحدة عبر مبعوثها سيفان دي ميستورا لتبريد الأجواء الملتهبة.
انتقادات واتهامات؟
وأكد المبعوث الخاص المكلف بقضية الصحراء الغربية ودول المغرب العربي في وزارة الخارجية الجزائرية، عمار بلاني، أن “السلطات المغربية تقوم بأعمال حرب شرق الجدار الرملي وترتكب اغتيالات خارج القانون تستهدف مدنيين باستخدام أسلحة متطورة، في إقليم الصحراء الغربية”. وأضاف أن “المغرب يخرق يومياً الاتفاقات العسكرية التي أقرها مجلس الأمن الدولي بين طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليساريو”، مستنكراً ما أسماه “استمرار المغرب في الهروب إلى الأمام بشكل أعمى ومجازفته في تغذية تصعيد التوتر في المنطقة بطريقة خطيرة”.
كما اتهم الديبلوماسي الجزائري الرباط بـ”ممارسة سياسة قمعية خططت لها وبالخرق الممنهج لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية”، معتبراً أن “هذا الوضع المأساوي يطرح السؤال بخصوص توسيع مهمات بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، المينورسو، من أجل تمكينها على غرار كل البعثات الأخرى للأمم المتحدة، بمتابعة وتوثيق الحالة الكارثية في مجال احترام حقوق الإنسان في الإقليم”. وأشار إلى أن “المغرب هو الدولة العضو الوحيدة في الاتحاد الأفريقي التي ترفض التصديق على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وذلك لعرقلة إيفاد بعثة لتقصي الحقائق إلى الصحراء”.
لا ردود ولا بيانات
ولم تصدر أي ردود أو بيانات من الرباط في هذا الشأن، بل تواصل التزام الصمت إزاء “الاتهامات” الجزائرية، على الرغم من أن موقع إخباري صحراوي قريب من جبهة “بوليساريو” كان نشر قبل أسبوع خبراً عن استهداف طائرة مسيّرة عائلةً صحراوية بينما كانت تتنقل في سيارة مدنية، ما تسبب بمقتل رجل وجرح طفل.
وأمام ترقب تحرك من هيئة الأمم المتحدة، كان الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، جدد بعد جولة المبعوث الأممي الجديد إلى للصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا، التي قادته إلى المغرب ومخيمات الصحراويين ثم موريتانيا وأخيراً الجزائر، دعوة المغرب والـ “بوليساريو” إلى إظهار اهتمام أقوى بحل مشكلة الصحراء الغربية، وليس الإبقاء فقط على عملية بلا نهاية ومن دون أمل في الحل”.
تمشيط مواقع في المنطقة العازلة
في السياق، علّق الباحث المغربي في الشؤون المغاربية، يحيى بن الطاهر، على مجريات الأحداث بالقول، إنه “بالنسبة لمتتبع شؤون المنطقة المغاربية، والعلاقات الجزائرية – المغربية على الخصوص، لا يتفاجأ من التصريحات المسترسلة الصادرة من مسؤولين جزائريين قبل أكثر من عام، وكلها اتهامات للجانب المغربي، في مقابل عدم وجود ردود فعل مغربية رسمية على ذلك”، مبرزاً أن “ما جاء على لسان المبعوث الخاص المكلَّف قضية الصحراء الغربية ودول المغرب العربي في الخارجية الجزائرية، عمار بلاني، من أن المغرب، مرة أخرى، متهم بقتل مدنيين خارج الحدود الدولية المعترف بها باستخدام أسلحة متطورة، إنما يشير إلى التمشيط الذي قامت به القوات المسلحة الملكية المغربية لمواقع عدة في المنطقة العازلة والأمر يتعلق، وفق ما رشح لدينا من أخبار من عين المكان، بتدمير منشآت عسكرية ومستودعات أسلحة تابعة لجبهة البوليساريو شرق الجدار العازل عبر طائرات”.
وأوضح بن الطاهر أن “المنطقة العازلة، والتي دأبت جبهة البوليساريو على تسميتها بالأراضي المحررة، هي مناطق تابعة للصحراء المتنازَع عليها، وكان المغرب انسحب منها خلال التوقيع على عملية وقف إطلاق النار ونهاية الحرب وبداية مسلسل المفاوضات بدايات تسعينيات القرن الماضي، وتُركت لإدارة المينورسو”، مضيفاً أنه “لا يمكن لعاقل أن يتحدث عن وجود مدنيين في مناطق صراع ونزاع وتحت إدارة المينورسو، المناط بها وحدها إنجاز التقارير المتعلقة بأي تجاوزات ترصدها، قد تكون منها ما قال المسؤول الجزائري إنه قتل مدنيين”.
أما بالنسبة للمغرب، فيعتبر بن الطاهر، أنه “كلما سنحت للرباط فرصة التحرك داخل المنطقة العازلة، قد لا يتردد في ذلك، ما دام يعتبرها مناطق صحراوية مغربية، خصوصاً بعد إعلان البوليساريو الحرب على إثر حادثة معبر الكركرات، حيث فتحت الخيرة على نفسها جبهة انطلاق المغرب في التمدد نحو استرداد كامل الصحراء الغربية، أي 20 في المئة من تلك الأراضي التي تُسمى مناطق عازلة”.
سياسة الأمر الواقع
في المقابل، اعتبرت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الجزائرية نجوى عابر، أنه “بعد اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية بشكل منفرد، توجه إلى تنفيذ سياسة الأمر الواقع بمعنى أنه اتجه أحادياً بعيداً عن أي تنسيق أممي بتكريس سيادته على الأراضي الصحراوية بقوة السلاح، وتأكد هذا التوجه بعد الاتفاق الأمني المشترك مع إسرائيل”.
وقالت نجوى عابر إن “تصريح المبعوث الجزائري المكلف بملف الصحراء الغربية يأتي ضمن تمسك الجزائر بضرورة التحقيق وإثبات المسؤولية الجنائية على الجاني، خاصةً أن المنطقة التي تم فيها الاستهداف خاضعة لرقابة الأمم المتحدة، كما أن المستهدَفين هم مدنيين وليسوا مقاتلين، وعليه فإن ما صدر عن عمار بلاني، هو قرينة واضحة على عدوانية المغرب ومحاولته الدفع بالمنطقة إلى التصادم واللااستقرار بشكل منفرد بعيداً عن أي مسار أممي”. وختمت بالقول إنه “طبقاً لما هو معمول به، فإن الأمم المتحدة ستتوجه إلى إرسال فريق تحقيق في الواقعة، وبعد استيفاء الملف سيتم إصدار تقرير في هذا الشأن”.
المصدر independentarabia