خلف قرار السلطات الفرنسية إحالة سفيرها في الجزائر، فرانسوا غويات، إلى التقاعد بداية من الصيف المقبل، جملة من التساؤلات حول هذا القرار الذي جاء في ظرف تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية حالة من التعقيد، وصل إلى حد استدعاء سفير الجزائر بباريس، سعيد موسي، للتشاور في أعقاب تهريب الرعية أميرة بوراوي عبر تونس باتجاه فرنسا.
العدد الأخير من الجريدة الرسمية الفرنسية الذي حمل قرار إحالة فرانسوا غويات على التقاعد، تحدث عن “الحقوق التقاعدية انطلاقا من عامل السن للدبلوماسي الفرنسي”، وفي ذلك محاولة الإشارة إلى أن الإجراء جد عادي ومرتبط بترتيب قانوني روتيني محكوم بالبعد الزمني، حتى لا يعطي الانطباع بأن لهذا القرار علاقة بالأزمة الدبلوماسية التي تضرب العلاقات الثنائية بين الجزائر وباريس.
وفي الثامن من الشهر الجاري أدانت الخارجية الجزائرية بشدة حادثة تهريب الرعية أميرة بوراوي، بسبب “مشاركة دبلوماسيين وقنصليين ورجال أمن تابعين للدولة الفرنسية”، في وقت كان يفترض أن تكون موجودة في الجزائر بناء على أوامر القضاء، واعتبرت تلك العملية “انتهاكا للسيادة الوطنية”، من شأنها أن “تلحق ضررا كبيرا بالعلاقات الجزائرية-الفرنسية”.
وتحدث بيان الخارجية الجزائرية عن تورط دبلوماسيين وقنصليين فرنسيين في تهريب المواطنة الجزائرية، وفي ذلك اتهام مباشر للسفير الفرنسي، باعتباره الدبلوماسي الأول في السفارة الفرنسية في الجزائر، وهذا يعني وجوده ضمن دائرة الأشخاص غير المرغوب في وجودهم على التراب الجزائري، وإن بشكل ضمني، علما أن فرانسوا غويات يعتبر من الحالات النادرة في السلك الدبلوماسي الفرنسي، لأن ماكرون راهن عليه في استعادة ثقل بلاده في المستعمرة السابقة، باعتباره يتقن اللهجة الجزائرية ومتزوج أيضا من جزائرية.
لذلك ومباشرة بعد انفجار فضيحة تهريب الرعية الجزائرية عبر التراب التونسي، تواترت أنباء قوية على أن السلطات الجزائرية اعتبرت فرانسوا غويات شخص غير مرغوب فيه. ومن هذا المنطلق، يذهب مراقبون إلى اعتبار إحالة السفير الفرنسي في الجزائر على التقاعد، سحبا ضمنيا من منصبه، لكن بطريقة لبقة، لتفادي مزيد من التعقيد في العلاقات بين الجزائر وباريس، وفق ما يحرص عليه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
فالظروف التي خلفها تهريب أميرة بوراوي التي اتهم فيها دبلوماسيون وقنصليون ورجال أمن يعملون في الممثليات الدبلوماسية والقنصلية الفرنسية، يجعل من الصعوبة بمكان استمرار السفير الفرنسي في مواصلة مهامه بكل أريحية في الجزائر، لأنه سيصبح تحت مراقبة شديدة مستقبلا من قبل المصالح الخاصة، التي باتت تنظر إليه بعد كل الذي حدث، على أنه شخص لا يحترم القوانين والأعراف، وعلى وجه التحديد، لا يؤتمن جانبه.
وليست هي المرة الأولى التي يعيشها كبير الدبلوماسيين الفرنسيين في الجزائر، فالسفير السابق، كزافيي دريانكور، عاش حالة مشابهة في سنة 2019 أثناء “الحراك الشعبي”، عندما سرت إشاعات قوية تحدثت عن تورطه في تأجيج الوضع في الجزائر حينها، ما اضطره إلى مطالبة الرئيس إيمانويل ماكرون، بإعفائه من منصبه، وهو ما حصل بعد ذلك بأشهر قليلة، أي بعد ثلاث سنوات من تكليفه بالمهمة، وهي المدة التي قضاها أيضا السفير الحالي المحال على التقاعد، علما أن المدة المعتادة لعهدة أي سفير فرنسي، تقدر بأربع سنوات.
والواقع أن العلاقات الجزائرية الفرنسية عادة ما يطبعها التوتر، فبالعودة إلى التاريخ الدبلوماسي الفرنسي في الجزائر منذ الاستقلال، يتبين أن الغالبية الساحقة للسفراء الفرنسيين لم يكملوا عهداتهم إلا في حالات تعد على أصابع اليد الواحدة، إحداها العهدة الأولى للسفير السابق، كزافيي دريانكور (2008/ 2012)، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبالضبط مع السفير جون أوديبار (1988/ 1992).
الشروق