أعادت الزيارة التي قام بها وفد عن الكونغرس الأميركي إلى تونس، وحثه رئيس الجمهورية قيس سعيد على العودة للمسار الديمقراطي، الجدل مجددا حول قضية السيادة واستقلالية القرار الوطني. وسط اتهامات متبادلة حول طبيعة الدور الأميركي في هذه المرحلة.
وجدد الرئيس سعيد خلال استقباله الوفد الأميركي تأكيده على عمق العلاقات مع الولايات المتحدة، معتبرا أن ما قام به يوم 25 يوليو/تموز الماضي ليس انقلابا، بل أنه استعمل نصا دستوريا في إشارة للفصل 80، للحفاظ على الدولة مما سماه الخطر الداهم.
وشدد على أن الإجراءات التي اتخذها تعكس إرادة شعبية واسعة، داعيا من وصفهم بأصدقائه الأميركيين إلى الاستماع لنبض الشارع وكيف خرج التونسيون إلى الشارع للاحتفال، مؤكدا أن تونس دولة ذات سيادة.
ونشر السيناتور الأميركي كريس ميرفي -تغريدة عبر حسابه على تويتر- كشف فيها فحوى لقائه بالرئيس سعيد، وحثه له للعودة السريعة إلى المسار الديمقراطي والتعجيل بإنهاء حالة الطوارئ في البلاد.
وأوضحت سفارة الولايات المتحدة -في تدوينة عبر صفحتها على فيسبوك- أن وفد الكونغرس التقى أيضا خلال الزيارة أعضاء من مجلس النواب المجمد وممثلي منظمات المجتمع المدني.
وكشف بيان السفارة على تأكيد الوفد الأميركي خلال هذه اللقاءات على مشاركة بلاده “الشعب التونسي هدفه المتمثل في حكومة ديمقراطية تستجيب لاحتياجات البلاد، العودة إلى المسار الديمقراطي واعتماد أي إصلاحات من خلال عملية شاملة، بما في ذلك مشاركة ممثلي الطيف السياسي التونسي وأعضاء المجتمع المدني”.
وفيما وجهت أحزاب سياسية قريبة من محيط الرئيس اتهامات مباشرة لحركة النهضة بالاستقواء بالجانب الأميركي بهدف الضغط على الرئيس للعودة إلى ما قبل 25 يوليو/تموز الماضي، رفض القيادي بحركة النهضة محمد القوماني الاتهامات جملة وتفصيلا.
وشدد القوماني -في حديثه للجزيرة نت- على أن حركة النهضة كفاعل سياسي تربطها علاقات جيدة بقوى دولية وإقليمية، وأنها تستخدم هذه العلاقات لصالح الشعب التونسي وليس ضده.
واعتبر النائب أن ما تم كشفه من فحوى الحوار -الذي دار بين سعيد ووفد الكونغرس- لم يخرج عن الموقف الأميركي والدولي المعلن، والذي يدعم الديمقراطية التونسية، حسب وصفه.
وأشار إلى أن الرئيس أغلق أبواب الحوار أمام أبناء بلده من أحزاب ومنظمات وفاعلين مختلفين، لكنه سعى بالمقابل لاستقبال وفود دبلوماسية عربية وأجنبية ليناقش معهم شأنا وطنيا صرفا.
وحذر القيادي بحركة النهضة من أن مضي سعيد بهذا الأسلوب في التعامل من شأنه أن يقوي التدخل الأجنبي مهما كانت مقاصده، ويضعف الصف الداخلي.
وبالتزامن مع الزيارة التي قام بها وفد الكونغرس إلى تونس، نظم حزب العمال وقفة احتجاجية وسط العاصمة ندد خلالها بما وصفه بالتدخل الأميركي في الشأن التونسي.
واتهم أمينها العام حمة الهمامي -في تصريح للجزيرة نت- كلا من الرئيس سعيد ومنظومة الحكم التي قادتها حركة النهضة بإضعاف تونس سياسيا واقتصاديا، واستباحة سيادتها من الأميركيين وغيرهم، حسب قوله.
وشدد الهمامي على أن الولايات المتحدة لم تتدخل في تونس حبا في الديمقراطية بل من أجل البحث عن مصالحها، ولم يخف خشيته من أن تكون هذه الزيارة تمهيدا لترتيبات إقليمية في علاقة تجر تونس نحو مربع التطبيع.
وأكد أن تشكيل حركة سياسية أو جبهة داخلية للضغط على الرئيس سعيد ستكون أفضل بكثير من فتح المجال للقوى الأجنبية لتقرر مصير تونس وشعبها، وما سينجر عن ذلك من تداعيات خطيرة.
على صعيد متصل، أعلن الحزب الدستوري الحر وحركة الشعب عن رفضهما تلبية الدعوة التي وجهتها السفارة الأميركية لمجموعة من الأحزاب.
وقالت حركة الشعب إنها رفضت الدعوة انطلاقا من موقفها المبدئي القاضي بحماية السيادة الوطنية، وعدم السماح لأي جهة خارجية بالتدخل في الشأن الوطني، بحسب ما جاء في بيان رسمي.
وأعلن الحزب الدستوري الحر عن رفضه للدعوة التي وجهت لأحد قياداته من قبل السفير الأميركي، وأوضح أن هذا الرفض مرده “الإيمان بحق الشعب التونسي في تقرير مصيره، واحترام السيادة الوطنية التي تقتضي معالجة الأزمات السياسية الداخلية صلب الأطر التونسية التونسية” وفق نص البيان.
بدوره، أكد الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري رفض الدعوة التي وجهتها السفارة الأميركية للمنظمة الشغيلة، مبينا في تدوينة بأن الشأن التونسي يحل بين التونسيين، وبرفض قيادات الاتحاد كل أشكال الضغط والاستقواء بالأجنبي.
ويرى الناشط السياسي طارق الكحلاوي أن لقاء الرئيس سعيد بالوفد الأميركي وشرحه وجهة نظره بشأن الإجراءات التي اتخذها يأتي ردة فعل طبيعية على حملات التشويه والضغط التي يمارسها حزب بعينه في الولايات المتحدة ضده، في إشارة لحركة النهضة.
واعتبر الكحلاوي -في حديثه للجزيرة نت- أن الوفد الأميركي وجد نفسه محرجا بعد إعلان أحزاب ومنظمات وطنية رفضها الدعوة التي وجهتها السفارة الأميركية لحضور اللقاء معهم.
وخلص إلى أن الجانب الأميركي تولدت لديه قناعة بأنه بات طرفا غير محايد وبأنه منحاز لجهة سياسية بعينها، وهو ما جعله يوضح -في تغريدة على لسان السيناتور كريس مورفي- أن بلاده “لا تدعم أي حزب أو أجندة إصلاح بل تدعم ديمقراطية تستجيب لحاجة التونسيين”.
الجزيرة