لأول مرة في الجزائر، تثير زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي قلقا في الأوساط السياسية والإعلامية، نظرا لتزامنها مع الحرب الروسية الأوكرانية التي تعد فيها الولايات المتحدة طرفا غير مباشر، وكذلك أجندة الزيارة التي لم تخف الخارجية الأمريكية أنها تهدف لدعم مسار التطبيع مع إسرائيل، وهو ما تعتبره الجزائر خطا أحمر في سياساتها الخارجية.
ويرتقب أن يحل أنتوني بلينكن في الجزائر في 30 آذار/ مارس، وذلك في ختام جولته التي ستقوده إلى دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وسيقوم بلينكن خلال الزيارة بعقد اجتماعات مع الرئيس عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمطان لعمامرة لمناقشة الأمن والاستقرار الإقليميين، والتعاون التجاري، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك، وفق بيان الخارجية الأمريكية. كما سيفتتح الوزير الأمريكي رسميا فسحة الولايات المتحدة بصفتها دولة الشرف في معرض الجزائر التجاري الدولي، وهو أكبر معرض تجاري من نوعه في أفريقيا، ويجتمع بممثلين عن الأعمال الأمريكية في الجزائر لمناقشة تعميق العلاقات الاقتصادية وتعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين.
غير أن ما يلفت في بيان الخارجية الأمريكية الإشارة إلى أن “سفر بلينكن إلى إسرائيل والضفة الغربية والمغرب والجزائر سيكون للتشاور مع الشركاء حول مجموعة من الأولويات الإقليمية والعالمية، بما في ذلك حرب الحكومة الروسية على أوكرانيا، وأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، واتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، والعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، والمحافظة على إمكانية التوصل إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بالإضافة إلى مواضيع أخرى”. كما سيؤكد بلينكن للقادة الذين سيلتقيهم، وفق البيان، أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب حكومة أوكرانيا وشعبها في مواجهة عدوان الكرملين عليها، وستواصل العمل عن كثب مع حلفائها وشركائها لفرض تكاليف إضافية على الرئيس الروسي وداعميه إذا لم يغير مساره.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الأمريكي بعد 3 أسابيع فقط من زيارة نائبته ويندي شيرمان، التي سربت وسائل إعلام فرنسية أنها طلبت خلال لقائها بالمسؤولين الجزائريين إعادة تشغيل الأنبوب الغازي الذي يمر عبر المغرب، وقوبل ذلك بالرفض من السلطات الجزائرية، وهو خبر لم يجر تكذيبه رسميا، ما أدى إلى ظهور الكثير من التأويلات لاحقا بخصوص تحول الموقف الإسباني من قضية الصحراء الغربية وما إذا كانت قضية الغاز من بين مسبباته.
ويعتقد توفيق بوقعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن هذه الزيارة رغم أنها كانت مبرمجة سلفا قبل اندلاع أزمة أوكرانيا، إلا أنها لن تخلو من آثار الحرب وما تعلق تحديدا بمسألة الغاز. وأوضح المتحدث في تصريح لـ”القدس العربي أن الولايات المتحدة ستحاول عبر زيارة وزير خارجيتها الضغط على الجزائر لزيادة تصدير الغاز بهدف التقليل من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي وإعادة استغلال الأنبوب المار في المغرب، وهي المهمة التي لم تنجح فيها، حسبه، نائبته شيرمان في زيارتها للجزائر قبل أسابيع.
وفي رأي أستاذ العلوم السياسية، فإن “الخارجية الجزائرية تواجه لأول مرة مأزقا بين دولتين عظميين روسيا والولايات المتحدة وكل سلوك منها سوف يحسب لصالح طرف في مقابل خسارة للطرف الآخر”. ويدرج بوقعدة زيارة لعمامرة الأخيرة إلى الدوحة، في “سياق محاولة جس النبض ومعرفة مدى قدرة قطر على توريد الغاز لأوروبا من أجل إزالة الحرج مع روسيا وعدم إثارة الدول الغربية في نفس الوقت، وبالتالي الخروج من هذه الورطة بأقل الأضرار”. لكن ما يخشاه الباحث “هو في عدم التفاوض الجيد مع هذا الوضع وبالتالي تحول نعمة ارتفاع أسعار البترول على الجزائر إلى نقمة عليها في علاقاتها مع دول إستراتيجية بالنسبة لها”.
أما المسألة الأخرى المثيرة للريبة في أمر هذه الزيارة، فهي إصرار الخارجية الأمريكية على إقحام مسائل التطبيع مع إسرائيل في أجندة الوزير بلينكن العامة، واستباق وصوله للجزائر بلقاء مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في الرباط، وهما شخصيتان تمثلان دولتين عربيتين انخرطتا بقوة في مسار التطبيع الجديد. والمعروف أن تطبيع المغرب لعلاقاته مع إسرائيل في مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء الغربية، كان من بين الأسباب التي أدت بالجزائر لقطع علاقاتها مع المغرب.
ويرى ناصر حمدادوش، عضو المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم، أن “الولايات المتحدة تكون قد استشعرت فشل مهمة نائبة وزير الخارجية في الأيام الماضية في تحقيق أجندتها على محور: إسبانيا المغرب الجزائر، فجاءت زيارة وزير الخارجية بنفسه على محور أخطر: الكيان الصهيوني المغرب الجزائر”.
وأضاف النائب السابق، في تصريح لـ”القدس العربي”، أن “هناك أجندات أمريكية وغربية متداخلة بخصوص الجزائر، بين التطبيع ومحاولة استقطابها إلى المعسكر الغربي ضد روسيا، لما تتوفر عليه من إمدادات الطاقة باتجاه أوروبا وتعويض المصدر الروسي”، ولا يكون ذلك، حسبه، “إلا بإعادة الأنبوب العابر على المغرب المطبع والمتحالف مع الكيان الصهيوني”.
وأبرز المتحدث أن “هناك خطورة متزايدة على الجزائر بسبب هذا الاستهداف والتركيز”، في وقت “بلغت حالة الاستقطاب العالمي مستوى مهددا، فأنت إن لم تكن معي فأنت ضدي، وأن موقع الحياد لم يعد مقبولا أمريكيا”.
وعكس الموقف الأمريكي الذي يبدو متشددا مع عدم المتعاونين في الأزمة الأوكرانية، لا تمارس روسيا لحد الآن ضغوطا معلنة على الجزائر، فقد صرح سفيرها في البلاد أن الجزائر حرة في حال أرادت زيادة صادراتها للدول الأوربية من الغاز لأن المسألة تجارية بحتة.
القدس العربي