موقع المغرب العربي الإخباري :
في خطاب أمام الكونجرس وبأسلوب يعيد إلى الأذهان صورة المقيم العام الفرنسي وقادة المستعمرات البريطانية أكد السفير الأمريكي الجديد بتونس أنه “سيستخدم جميع أدوات النفوذ الأمريكي للعودة إلى الحكم الديمقراطي وتخفيف معاناة التونسيين من الاضطرابات السياسية” وأنه ‘’سيسعى للتنسيق مع الجيش التونسي لتعزيز حماية حقوق الانسان’’، كأن عجلة التاريح قد عادت بنا إلى سنة 2003 في العراق المحتل وكأننا بصدد الإستماع مجددا إلى سيء الذكر بول بريمر الحاكم الأمريكي في إجتماعاته بمجلس العملاء المسمى آنذاك بمجلس الحكم الإنتقالي، ويبدو أن بايدن قد إختار بعناية موظفا سابقا بالسفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد المحتلة ليعينه سفيرا لبلاده في تونس برتبة وَالٍ له مطلق الصلاحيات لإدارة البلاد والعباد، وتكون من أوكد مهامه إعادة تونس إلى مصاف قطيع العم السام أو التلويح بنشر الديمقراطية بأسلوب أمريكا المعتاد، تصريح جوي هود يؤكد أن أمريكا غير راضية عن المسار التونسي، وقد تعلمنا من خالد الذكر جمال عبدالناصر أن الرضى الأمريكي دليل لا يقبل الشك على إنحراف الطريق.
إن الشياطين لا تنهى عن المنكر، وأمريكا التي أرهبت العالم بحروبها التي لا تنتهي ليست أهلا لتعطي دروسا عن الديمقراطية وعن حقوق الإنسان، وقد خبرنا ديمقراطيتها في العراق الذي كان منارة للعلم قبل أن يدخله المارينز ومرتزقته ويحولوه إلى ساحة للصراعات الطائفية والعرقية وإلى بيئة خصبة للجماعات المتشددة، كما خبرنا ديمقراطيتها في غواتيمالا في الخمسينات إثر الإنقلاب الذي قادته على جاكوبو أربينز غوزمان وفي إيران في نفس الفترة على محمد مصدق كما خبرنا ديمقراطيتها المزعومة في الشيلي إثر إسقاطها للرئيس المنتخب في السبعينات سلفادور اللندي وتعيينها لدميتها بينوشيه رغما عن إرادة الشعب، وخبرنا أيضا حرصها على نشر الحرية إثر إشرافها على إغتيال عمر توريخوس في بنما وخايمي رولدوس في الإكوادور ثم غزوها لبنما بعد ذلك وتغيير النظام فيها بالقوة، نحن أمام إمبراطورية مارقة تهدد السلام العالمي وتنهب الدول تحت شعارات ‘’الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان’’ ولم تسلم من شرها دول القارات الخمس فطغت بالتفوق التكنولوجي والصناعي حتى صدق فيها قول البردوني ‘’أدهى من الجهل علم يطمئن إلى. أنصافِ ناس ٍطغوا بالعلم واغتصبوا. قالوا: هم البشر الأرقى وما أكلوا. شيئاً كما أكلوا الإنسانَ أو شرِبوا’’.
عدم الرضى الأمريكي تتبعه سيناريوهات تصب كلها في خانة السعي إلى تغيير النظام التونسي بالإغتيال أو بالإنقلاب أو بالقوة وهي سيناريوهات تفننت فيها أمريكا حتى باتت ‘’علامة مسجلة’’ بإسمها، ونستحضر هنا ما قاله الاقتصادي جون بيركنز في كتابه ‘’الإغتيال الاقتصادي للأمم ‘’ أن أمريكا تتوخى منهجا تصاعديا في تعاملها مع الزعماء المارقين، تبدأ بعرض الرشوة ثم تمر إلى فرق أبناء آوى JACKALS المتخصصة في تدبير عمليات الإغتيال، ثم إلى الغزو العسكري إن فشلت محاولاتها السابقة في التغيير وهو ما حدث في العراق العظيم والجماهيرية الشهيدة وبنما وغيرها.
أمريكا هي رأس الإرهاب العالمي، ونصيبنا نحن العرب من الإرهاب الأمريكي هو الأكبر، إرهاب لم يبدأ مع قصف ملجأ العامرية وإستشهاد المئات من الرضع ولم ينته بضرب الفلوجة بالفسفور الأبيض وبحصار العراق ثم غزوه، وبحصار ليبيا ثم غزوها وبقصف مقديشو الصامدة والسودان واليمن، هؤلاء المهللون لتصريحات جوي هود معتقدين أنه سيسلمهم حكم البلاد بعد إسقاط خصمهم في تونس هم أشبه بذلك الوزير العباسي إبن العلقمي الذي رتب مع هولاكو قتل الخليفة وإحتلال بغداد فكان جزاؤه الموت في قلة وذلة، لا تبحث أمريكا إلا عن أذناب لها وساذج من يؤمن بحرصها على خيارات وأصوات التونسيين، كان مبارك ديمقراطيا وفق المنطق الأمريكي لمساهمته في العدوان الثلاثيني على العراق ولم يكن السادات دكتاتورا فقد أخرج مصر من دائرة الصراع مع العدو، أما عبد الناصر فحاكم مستبد وكل أولئك الذين خرجوا لتشييعه في جنازات صورية من موريطانيا إلى العراق أقلية لا تبصرها العين الأمريكية، فأن تكون ديمقراطيا وفق العرف الأمريكي يعني أن تكون موظفا أمريكيا برتبة رئيس جمهورية، وفي تونس يكفي أن تنظم مؤتمرا بإسم أصقاء سوريا يضم كل أعدائها من أمريكا إلى فرنسا ويكفي أن تسلم رجال العقيد الشهيد إلى عصابات الناتو في ليبيا لتكون رمزا من رموز الديمقراطية في الوطن العربي.
الإجابة على خطاب السفير يجب أن تأتي من أحرار تونس أحزابا ومنظمات قبل أن تأتي من رئاسة الجمهورية، لا حللت أهلا ولا نزلت سهلا في أرض الفلاقة الذين قهروا فرنسا في عز مجدها، وكما مرغ العراقيون الأبطال أنفك وانف معلمك في العراق العظيم سيستقبلك التونسييون بصور مذابح الفلوجة والعامرية ليذكروك أن العاهرة ‘’وهي يقينا أشرف منكم ‘’ لا تحاضر عن الشرف، نحن لا نتلقى دروسا من قتلة الأطفال ومن مبتكري وسائل التعذيب في غوانتنامو وأبو غريب، وستدرك أن أمريكا أصغر من تونس تاريخا وحضارة وعلما وأن حضارة القوة تأزف سريعا لتستمر قوة الحضارة وأن العالم أحادي القطب قد ولى وما عليك وولي أمرك إلا أن تندبوا ‘’مبدأ ترومان والقوة الذكية وأمريكا أولا’’، فما أنتم سوى مشروع غبار متناثر لأقصر الإمبراطوريات عمرا في التاريخ.
رأي اليوم
انسخ الرابط :
Copied