أثار تحول موقف مدريد بشأن إقليم الصحراء، ودعمها لمقترح “الحكم الذاتي” الذي طرحته المغرب، ردود فعل وجدلا واسعا بالجزائر، في ظل الحديث عن “مراجعة جذرية” للعلاقات مع إسبانيا، سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا.
والسبت الماضي، أعلنت الخارجية الجزائرية، استدعاء سفيرها لدى مدريد سعيد موسى، للتشاور احتجاجا على ما اعتبرته “انقلابا مفاجئا” في موقف الحكومة الإسبانية إزاء ملف الصحراء.
وقالت الوزارة في بيان: “تفاجأت السلطات الجزائرية بشدة من التصريحات الأخيرة للسلطات العليا الإسبانية بشأن ملف الصحراء (..) نستغرب الانقلاب المفاجئ والتحول في موقف السلطة الإدارية السابقة بالصحراء”.
فيما أفاد ممثل الجزائر السابق لدى الاتحاد الأوربي، حليم بن عطاء الله، بأن “موقف مدريد مرتبط بمسألة الغاز الذي تصدره الجزائر إلى إسبانيا، وترفض بموجبه أن تتولى هذه الأخيرة إمداد المغرب به”.
وأضاف في تصريحات لصحيفة “الشروق” المحلية (خاصة)، أن “الحل لما بعد خطوة مدريد هو العودة إلى الأساس، والحل في مجلس الأمن على الرغم من وجود دول رافضة لمسألة تقرير المصير في الصحراء”.
والجمعة الماضية، وصفت الحكومة الإسبانية، في رسالة بعث بها رئيسها بيدرو سانشيز إلى العاهل المغربي محمد السادس، مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء بـ”الأكثر جدية” للتسوية في الإقليم المتنازع عليه، بحسب بيان للديوان الملكي المغربي.
واعتبر مراقبون ذلك “تحولا تاريخيا” في موقف مدريد من القضية باعتبارها المستعمر السابق للإقليم، لا سيما أنها كانت تتبنى موقفا محايدا في السابق.
ومنذ 1975، ثمة نزاع بين المغرب وجبهة “البوليساريو” حول إقليم الصحراء، تحول إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب “البوليساريو” باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
وبينما يتهم المغرب، الجزائر بأنها “طرف رئيسي” في نزاع الصحراء، تنفي السلطات الجزائرية ذلك، وتقول إنها “طرفا محايدا”.
** قطيعة إسبانية
ذكر السفير الجزائري الأسبق في إسبانيا، عبد العزيز رحابي، في تدوينة عبر “فيسبوك” قائلا: “إعلان مدريد بشأن أولوية الحكم الذاتي على تقرير المصير قطيعة ثلاثية الأبعاد في موقف إسبانيا بشأن الصحراء وبنية علاقاتها مع شمال إفريقيا”.
وأوضح أن القطيعة الأولى تتمثل في “نهاية الإجماع السياسي والاجتماعي الداخلي في إسبانيا والذي تم تشكيله لمدة 47 عاما حول المسؤولية التاريخية لإسبانيا الجنرال فرانكو في التخلي عن الساقية الحمراء ووادي الذهب (يشكلان إقليم الصحراء)، والتزام إسبانيا الديمقراطية بدعم تقرير مصير الشعب الصحراوي، من دون تفضيل لا الحكم الذاتي ولا الاستقلال”.
وأردف: “إسبانيا بهذه الخطوة صارت أيضا في قطيعة مع موقفها التقليدي، وهي تعول اليوم على التأمين الذي تأخذه من المغرب لضمان السيادة الترابية على مدينتي سبتة ومليلية” ومنع تدفقات الهجرة المنظمة.
وزاد: “يجب أن نتذكر أن الجزائر التي لديها حدود مشتركة مع سبع دول في إفريقيا تستقبل يوميا ومنذ عشر سنوات، أكبر عدد من المهاجرين من جنوب الصحراء مقارنة بجميع بلدان المغرب العربي وأوروبا مجتمعة” ولم تفكر في “ابتزاز” أوروبا بهذه الورقة.
وأوضح أن القطيعة الثالثة تتجلى في “فقدان التوازن في المصالح الدبلوماسية الذي سيؤثر بشكل دائم ونوعي على العلاقات الجزائرية الإسبانية التي تتميز بالثقة المتبادلة”.
ولفت أنه من خلال الموقف الأخير لإسبانيا، “التي كانت يُسمع إليها وتستشار وتحترم من جانب جميع الأطراف في المنطقة، فقدت مكانتها التاريخية كمحور في البحث عن حل عادل ودائم لنزاع الصحراء لتصبح صاحبة مصلحة منحازة”.
** علاقات مدريد والجزائر
يرى المحلل وأستاذ العلوم السياسية بجامعة “الجزائر” (حكومية)، توفيق بوقاعدة، أن “زلزالا سيضرب العلاقات الجزائرية الإسبانية، بعد موقف مدريد الأخير بشأن الصحراء وتأييدها خيار المغرب القائم على الحكم الذاتي بدلا من تقرير المصير”.
واعتبر الأكاديمي الجزائري في حديث للأناضول، أن “موقف مدريد كان مفاجئا حتى للإسبانيين أنفسهم (..) هذه الخطوة تعد بمثابة انتكاسة نظرا إلى الدور المحوري الذي كانت تلعبه إسبانيا في القضية الصحراوية”.
واستدرك: “بعد هذا التغير في موقف سانشيز، ستغير الجزائر أيضا من تعاملها مع مدريد، لكون إسبانيا كانت تعد صديقا موثوقا في عدد من القضايا الإقليمية والمتوسطية، ويمكن للرد أن يكون دبلوماسيا سياسيا، وأيضا اقتصاديا وتجاريا”، متوقعا انخفاض التنسيق بين الجزائر ومدريد إلى مستوياته الدنيا.
وأوضح أن “خطوة مدريد بدون شك ستؤثر على ملف التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، خصوصا في ظل وصول مئات القوارب سنويا التي تنقل مهاجرين من السواحل الجزائرية وصولا إلى جنوب إسبانيا وانتشار ظاهرة القوارب السريعة التي رفعت بشكل لافت عدد الواصلين”.
ولفت أن “ما بدر من حكومة مدريد سيعطل أيضا أحد الملفات العالقة بن البلدين، وهو ترسيم الحدود البحرية”.
وتابع: “ملف ترسيم الحدود البحرية كان قد أثار جدلا واسعا في إسبانيا عام 2020، بعد إقرار الجزائر حدودا جديدة بموجب مرسوم رئاسي جرى توقيعه عام 2018، خلال فترة حكم الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة”.
وبين أن “هذا الملف تسبب بجدل كبير وسط الطبقة السياسية الإسبانية (..) وصل ببعض التشكيلات السياسية إلى حد اتهام الجزائر بالوصول إلى مشارف جزيرة كابريرا (الإسبانية في البحر المتوسط)”.
** مراجعة العلاقات الاقتصادية والتجارية
المحلل الاقتصادي فريد بن يحيى، توقع أن تدخل العلاقات الجزائرية الإسبانية على الصعيد الاقتصادي “مرحلة توتر على الرغم من أنها كانت علاقات جيدة بحكم أن الجزائر هي أول مورد للغاز الطبيعي إلى إسبانيا، كما تعتبر إسبانيا رابع أو خامس شريك تجاري للجزائر”.
وقال بن يحيى للأناضول: “ما حدث واضح بأنه أمر دبر في ليل بين المخزن المغربي والحكومة الإسبانية، على الرغم من أن هناك معارضة سياسية كبيرة للخطوة، وأيضا من جمعيات مناهضة”.
وأشار أن “الحكومة (الإسبانية) الحالية قد تخسر الكثير في الشق الاقتصادي، على غرار استثمار الشركات الإسبانية في الجزائر، أو ربما كذلك في المعاملات التجارية البينية (..) الجزائر ستعيد حساباتها، وستحدد من هم الأصدقاء الحقيقيون فعلا”.
وتزود الجزائر إسبانيا بالغاز عبر خط أنابيب “ميدغاز” يربط البلدين مباشرة عبر البحر المتوسط، فيما جرى وقف أنبوب ثان يصل شبه الجزيرة الإيبيرية مرورا بالمغرب، منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتبلغ طاقة نقل خط “ميدغاز” نحو 8 مليارات متر مكعب سنويا، وتجري عليه حاليا أشغال توسعة لرفعها إلى 10.6 مليارات.
الأناضول