تفاقمت أزمة الهجرة غير النظامية عبر السواحل التونسية خاصة بعد تشديد الدول الأوروبية الرقابة على سواحلها، وتزايدت أعداد المهاجرين الهاربين من العمق الأفريقي إلى الجنة الأوروبية من السواحل التونسية، حتى أن مراكز الإيواء تجاوزت طاقة استيعابها القصوى ودفعت حقوقيين إلى تحميل السلطات التونسية المسؤولية جرّاء تهاونها في التعاطي مع هذه الظاهرة.
حمّلت أوساط حقوقية تونسية سلطات البلاد مسؤولية تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية في البلاد، وذلك في ظل رضوخها للضغوط الأوروبية بانتهاجها مقاربة أمنية متشددة على السواحل، ما حول البلاد إلى منصة لإيواء وإنزال المهاجرين الأجانب، قادت في نهاية المطاف إلى أزمة إنسانية في هذه المراكز.
وقال الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن “تونس أضحت منصة لإنزال المهاجرين غير النظاميين بطريقة غير مباشرة وسياستها في إنقاذ المهاجرين غير النظاميين الأجانب واعتراضهم في البحر في السواحل الإقليمية وإيوائهم بها فاقمت أزمة الهجرة غير النظامية بالبلاد”.
أوضح بن عمر في حديثه لـ”العرب” أن “ظاهرة الهجرة غير النظامية زادت معدلاتها إثر رفع الحجر الصحي الشامل الذي فُرض لتطويق وباء كورونا”.
وكشف أن” أكثر من 12883 مهاجرا تونسيا وصلوا إلى السواحل الإيطالية العام الماضي”.
وبالموازاة مع عودة قوية لظاهرة الهجرة مارست الدول الأوروبية ضغوطا على البلاد لتشديد الرقابة على السواحل والحدود البحرية، ما جعلها أشبه بحارس حدود بالوكالة، حسب تعبير بن عمر.
ولاحظ بن عمر أنه مع الزيارات المتتالية للمسؤولين الأوروبيين، كانت مطالبهم واضحة وهي دعوة السلطات التونسية إلى ضبط الحدود البحرية مقابل تقديم مساعدات لتمويل الحرس البحري ومشاريع تعاون أخرى.
يأتي ذلك في الوقت الذي نشرت فيه كل من فرنسا وإيطاليا وحدات بحرية قبالة الشواطئ التونسية لرصد الهجرة غير النظامية، إضافة إلى إنشاء خط ساخن للتنسيق.
واستنادا إلى هذه المعطيات استنتج بن عمر أن تونس تحولت شيئا فشيئا إلى رأس حربة في المقاربة الأمنية الأوروبية لمقاومة الهجرة، كما أصبحت تعتمد على الإمكانيات التقنية الأوروبية في عمليات المراقبة.
وقال بن عمر إن “هناك طائرات دون طيار تخرج من صقلية ولمبدوزا تقوم بمسح كامل للمنطقة المقابلة للسواحل التونسية إضافة إلى الوحدات البحرية الموجودة، حيث يقع إرسال كل هذه المعطيات إلى السلطات التونسية حتى تقوم بعملية الاعتراض”.
في مقابل ذلك قاد إيواء المهاجرين الأجانب بشكل عشوائي إلى أزمة إنسانية، حيث تسبب ذلك في حالة احتقان في صفوف عدد من متساكني بعض المدن بسبب تزايد أعداد المهاجرين مما أسفر عن العديد من المناوشات بين المتساكنين والمهاجرين.
كما تسببت هذه الأعداد المتزايدة في عجز مراكز الإيواء عن استقطاب المهاجرين، إلى جانب تردي الخدمات المقدمة لهم، وفق ما ذكره بن عمر.
وكشفت دراسة حديثة، نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتحصلت “العرب” على نسخة منها، أنه على مدى العقد الأخير -أي منذ اندلاع ثورة يناير 2011- منعت السلطات التونسية 42019 مهاجرا في إطار ما يسمي بمقاومة الهجرة غير النظامية.
وخلال الأشهر الأولى من العام الجاري نجحت في منع 19408 مهاجرين من الوصول إلى السواحل الايطالية، أي ما نسبته 46 في المئة من جملة أرقام السنوات العشر الأخيرة.
وترى الدراسة أن هذه الأرقام تؤكد المقاربة الطاغیة في مجال الھجرة غیر النظامية، فهي مقاربة أمنية بحتة على السواحل وفي المياه الإقليمية لتصل حتى المياه الدولية.
وتم خلال شھر سبتمبر منع 3199 مهاجرا من الوصول، بزيادة نسبتها 57 في المئة مقارنة بسبتمبر سنة 2020. كما تم إحباط 308 عمليات اجتياز، بزيادة نسبتها 81 في المئة، في حين بلغ عدد الواصلين إلى السواحل الإيطالية 1655 مهاجرا، بانخفاض نسبته 15 في المئة مقارنة بسبتمبر 2020.
وبلغ عدد الواصلين التونسيين إلى السواحل الإيطالية خلال تسعة أشهر 12697 مهاجرا، أي بنسبة 28 في المئة من جملة الواصلين إلى السواحل الإيطالية.
وحسب الدراسة تعكس الأرقام مسألة أمننَة الهجرة في سياسة تونس خاصة في فترة ما بعد الجائحة وتصاعد الضغوط الأوروبية على تونس بشكل لا يهدد فقط حقوق وكرامة المهاجرين بل أيضا حق تنقل التونسيين في بلادهم من خلال التضييقات الأمنية المستمرة.
وبالنسبة إلى المهاجرين الأجانب كشفت الدراسة أن نسبة المهاجرين من جنوب الصحراء ارتفعت مرة أخرى لتتجاوز نسبة المهاجرين التونسيين الذين تم منع اجتيازهم، حيث بلغت 51.2 في المئة خلال شهر سبتمبر.
وخلال شهر سبتمبر مثلت نسبة المهاجرين انطلاقا من السواحل الليبية والذين اعترضتهم السلطات التونسية 16 في المئة من جملة المهاجرين الذين تم منعهم.
ويفسّر هذا الرقم الأزمة الإنسانية المتصاعدة في ولايتيْ (محافظتيْ) صفاقس ومدنيين والصعوبات التي يعانيها المهاجرون من جنوب الصحراء، مثل مشاكل الإيواء ونقص الخدمات المقدمة، وهو ما تسبب في توترات في هاتين الجهتين.
تفاقمت أزمة الهجرة في مدن الجنوب وما يتعرض له المهاجرون من معاناة نتيجة انخراط السلطات التونسية العشوائي في المقاربة الأمنية التي حولت تونس بطريقة غير مباشرة إلى منصة لإنزال المهاجرين غير النظاميين، وفق ما ذكرته الدراسة.
وتوقعت الدراسة سيناريوهات تحمل الكثير من العنف والتمييز والانتهاكات إزاء المهاجرين من جنوب الصحراء في حالة عدم معالجة السلطات لملف المهاجرين الأجانب.
ولا تستبعد الدراسة أن تدفع تونس ثمن تعاونها الأمني اللامحدود وتنسيقها المباشر مع الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسلطات الإيطالية، وستكون لذلك نتيجة مكلفة إنسانيا للمهاجرين غير النظاميين.
ويلفت بن عمر إلى أن “عمليات الإنقاذ في المياه الدولية من مشمولات دول لها إمكانيات كبيرة مثل دول الاتحاد الأوروبي، ولا يجب على تونس أن تتحمل عبء ذلك بمفردها”.
وأضاف “كان بوسع السلطات أن تمنح هذه المهمة إلى المنظمات الدولية التي تقوم بعمليات لإنقاذ المهاجرين”.
ويتراوح عدد المهاجرين غير النظاميين في تونس بين 50 ألفا و60 ألفا في ظل غياب إحصائيات دقيقة ورسمية.
وقد تصاعدت وتيرة الهجرة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد.
ويرى المتابعون أن السياسات الحكومية الخاطئة قادت إلى تفاقم هذه الظاهرة بالاعتماد على المقاربة الأمنية، دون توفير حلول للأوضاع المعيشية الصعبة كحل معضلة البطالة والتنمية.
وأشار محمد إقبال بن رجب، رئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج، في حديثه لـ”العرب” إلى أنه “منذ ثورة يناير لم ير شبان وشابات تونس تطورا معيشيًّا، بما في ذلك توفير الشغل للجميع، مما أدى إلى الشعور بالإحباط ورؤية قاتمة للمستقبل”.
وفي تقديره هذا هو العامل الأساسي لتفاقم عدد المجتازين غير النظاميين للحدود البحرية في اتجاه أوروبا، علاوة على عدم الاستقرار السياسي وضبابية الاستراتيجية المستقبلية للبلاد.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة أكدت أنه من بين جميع المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى إيطاليا كان التونسيون أكبر مجموعة في عام 2021 حتى الآن.
ويخلص بن رجب إلى أن الحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية ما آل إليه ملف الهجرة، ويقول “الحكومة هي سلطة القرار وعندما لا تسعى لإيجاد حلول جذرية لمشاغل المواطن ستتفاقم المعضلات اليومية مثل البطالة، وهو ما سيؤدي إلى انعدام الثقة في الدولة وزيادة عمليات الهجرة الجماعية إلى الخارج”.
العرب