بينما لم يصدر عن الحكومة الجزائرية رد فعل على مآخذ بفرنسا بخصوص «توقيف إصدار التصاريح القنصلية»، التي تسمح بإبعاد مهاجريها غير النظاميين، رجح متابعون للعلاقات بين البلدين عودة «أزمة التأشيرات» إلى ما كانت عليه عام 2021، بعد أسابيع قليلة من انفراجة عابرة، حدثت على خلفية زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للجزائر نهاية أغسطس (آب) الماضي.
وتوحي مؤشرات سياسية أن سلطات الجزائر ترفض الرد على تصريحات لرئيس حزب «الجمهوريين» (يمين) الفرنسي، إيريك سيوتي، أطلقها بالبرلمان الفرنسي الثلاثاء الماضي، أكد فيها أنها أوقفت إصدار التصاريح القنصلية لفائدة السلطات الفرنسية، بعد شهرين من طي خلاف حاد دام عاما ونصف عام، تعلق بتقليص باريس حصة الجزائر من التأشيرات، بحجة أن قنصلياتها بفرنسا ترفض منح تراخيص إدارية، مطلوبة من وزارة الداخلية لطرد آلاف المهاجرين الجزائريين غير النظاميين المقيمين بالتراب الفرنسي.
وكانت الجزائر قد احتجت على «الأرقام المبالغ فيها» من طرف باريس بخصوص عدد مهاجريها السريين.
وبحسب سيوتي فإنه «لا يمكن لفرنسا طرد مزيد من الجزائريين الموجودين على أراضيها بطريقة غير قانونية»، على أساس وقف الجزائر إجراءات إصدار التصاريح القنصلية، بعد استئناف العملية لمدة قصيرة. ودعا البرلماني وزير الداخلية جيرالد دارمانان إلى «وقف إجراءات التأشيرة الممنوحة للجزائريين»، التي تم استئنافها على إثر زيارة دارمانان الجزائر في 18 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وأكدت مصادر سياسية جزائرية لـ«الشرق الأوسط» أن عدول الجزائر عن قرارها إصدار التصاريح القنصلية من جديد، سببه ما بات يعرف بـ«قضية الناشطة المعارضة الفرنكو الجزائرية أميرة بوراوي». ففي الثامن من فبراير (شباط) الماضي، استدعت الجزائر سفيرها في باريس، سعيد موسي، لـ«التشاور»، واتهمت المخابرات الفرنسية بـ«إجلاء سراح» الناشطة والطبيبة المعارضة من تونس، التي دخلتها بطريقة غير قانونية، بينما كانت تحت طائلة منع من السفر في بلادها، لإدانتها بتهمتي «ازدراء الدين الإسلامي»، و«الإساءة لرئيس الجمهورية». علما بأن بوراوي تحمل الجنسية الفرنسية إلى جانب الجزائرية.
وبحسب المصادر السياسية نفسها «يعد وقف إصدار التصاريح القنصلية شكلا من أشكال رد الجزائر على ما تعتبره تورط فرنسا في اختراق ترابها لتهريب المعارضة بوراوي». وكانت وسائل إعلام جزائرية قد ذكرت أن عقيد مخابرات فرنسياً «دبر عملية تهريب بوراوي»، موضحة أنه كان بانتظارها عندما وصلت إلى مطار مدينة ليون بفرنسا قادمة من تونس، الأمر الذي نفته الطبيبة بشدة.
ونقل الإعلام الفرنسي عن النائب بالبرلمان الأوروبي، جیلبار كولار، أن فرنسا «ملزمة بالرد على الجزائر عن طريق تعليق منح التأشيرات للجزائريين». فيما أشار عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، هنري لوروا، في مقابلة مع «إذاعة سود» (جنوب) الفرنسية، إلى أن باريس «عليها الرد بتعليق منح التأشيرات للجزائريين، في إطار المعاملة بالمثل»، مؤكدا أن الرئيس إيمانويل ماكرون «رغم تحدثه عن قضية أميرة بوراوي، فإن الجزائر أوقفت إصدار التصاريح بطريقة مفاجئة». من جهتها وصفت السناتورة الفرنسية، فاليري بويير، الخطوة الجزائرية بـ«المستفزة»، وتساءلت عن «كيف سيكون الرد الفرنسي عليها».
وكان ماكرون قد ذكر الاثنين الماضي خلال مؤتمر صحافي حول سياسة بلاده في أفريقيا أن «أشياء كثيرة قيلت بعد عودة فرنكو – جزائرية إلى فرنسا عبر تونس، وما هو أكيد أن هناك من لديهم مصلحة في أن ما نقوم به بالجزائر منذ عدة سنوات يكون مآله الفشل… سأواصل العمل الذي شرعنا فيه، فليست هذه هي المرة الأولى التي أتلقى فيها ضربة»، فيما كانت وسائل إعلام حكومية جزائرية قد كتبت أن جهاز الأمن الخارجي الفرنسي «يتعمد تقويض جهود الرئيس ماكرون لتحسين العلاقات مع الجزائر».
الشرق الأوسط