خرج الملتقى الوطني حول الاستشراق الفرنسي في الجزائر الذي احتضنته جامعة باتنة1 بعدة معطيات مهمة من ناحية تاريخه وأعلامه وتأثيراته، وفي الوقت الذي أجمع فيه الكثير على انعكاساته السلبية، إلا أن هناك من طالب بالنظر برؤية موضوعية حول بعض المسائل الإيجابية التي خلفها، من خلال عدة نماذج لمستشرقين قدموا خدمات مهمة لتاريخ وتراث الجزائر، وفي مقدمة ذلك الفنان التشكيلي “إيتان ديني” الذي اعتنق الإسلام وأعجب بصحراء الجزائر، وفي مقدمة ذلك مدينة بوسعادة التي دفن فيها بطلب منه قبل وفاته.
أجمع الحضور على أهمية النتائج التي خرج بها الملتقى الوطني الموسوم “الاستشراق الفرنسي في الجزائر وتاريخه وأعلامه وتأثيراته” الذي نظمه مخبر الموسوعة الجزائرية الميسرة التابع لكلية اللغة والأدب العربي والفنون بجامعة باتنة1، حيث حرص الباحثون على التعمق في الاستشراق الذي أخذ عدة أبعاد ودلالات، وامتزجت فيه النزعة العدوانية والإيديولوجية بالتطرف الديني، مثلما استغله الاستعمار الفرنسي كأداة لاكتشاف الجزائر والتوسع العسكري، مثلما كان للاستشراق حسب بعض المتدخلين بعد ايجابي، خاصة وأنه ترك دراسات مهمة تخص تاريخ وموروث الجزائر. وقد حرص الدكتور منصف شلي من جامعة قسنطينة على تخصيص مداخلته لمسألة الاستشراق الفرنسي والنخبة الوسيطة (1850- 1950)، واختار مدرسة قسنطينة أنموذجا، بينما ناقش البروفيسور محمد كنتاوي من جامعة أدرار الممارسات اللغوية لدى المستشرقين الفرنسيين في الجزائر، في الوقت الذي ركز الدكتور فيدي حليمي على النسق المضمر في النص المستشرق من خلال “ألبير كامو” أنموذجا، فيما تطرق الدكتور خيري الرزقي إلى أثر المدرسة الاستشراقية الفرنسية في الكتابات الجزائرية الحديثة.
وفي السياق ذاته، ناقشت الدكتورة فاطمة الزهراء قيدوم جهود المستشرقين الفرنسيين في جمع المخطوطات الأدبية الجزائرية غداة الاستعمار.
أما الدكتورة عقيلة بعيرة فقد كانت مداخلتها حول الاستشراق الفرنسي في الجزائر وآليات الاستلاب الحضاري (اللغة العربية أنموذجا). وكان للاستشراق في بعده الايجابي نصيب في بعض المداخلات، على غرار مداخلة الدكتور نمر بومدين هشام حول دور المستشرقين في افتتاح المدارس والمعاهد وحقيق لمخطوطات، فيما كانت مداخلة إلهام سناني حول جهود المدرسة الاستشراقية الفرنسية في جمع المخطوطات الجزائرية ونشرها، ما الدكتور عبد القادر مرجاني فقد عالج قضية الاستشراق الفرنسي بالجزائر من خلال وسائله (الجان والجمعيات العلمية أنموذجا).
وعرف اليوم الثاني مناقشة عدة قضايا تخص تاريخ وتأثيرات الاستشراق الفرنسي في الجزائر، من خلال مداخلات تخص تنظيم المخطوطات وأعلام الاستشراق الفرنسي في الجزائر ودورهم في خدمة التراث الجزائري وتجليات المشروع الاستشراقي الفرنسي في الرواية النسوية الجزائرية وغيرها من المواضيع التي ناقشها أساتذة وباحثون من مختلف جامعات الوطن، على غرار بصديق عبد الكريم وسعيد مراحي وسوسن مزيتي ومختار قديري ومحمد خالدي وإيمان بوزيان ومحمد بن قيدة وغيرهم، وسط مرافقة من طرف البروفيسور الطيب بودربالة الذي كانت له إسهامات مهمة في مجال الاستشراق وكل ما يتعلق بالأدب المقارن، بحكم انه خريج جامعة السوربون بفرنسا، فيما أشاد مدير مخبر الموسوعة الجزائرية الميسرة الدكتور محمد زرمان وعميد كلية اللغة والأدب العربي والفنون الدكتور لخضر بلخير بالمساهمة الفعالة للباحثين والمنظمين والحضور في إنجاح الملتقى، داعيا إلى تثمين مختلف النقاط التي تم التوصل إليها خدمة للبحث العلمي وتعزيز مختلف الجوانب التي تخص هوية وتاريخ الجزائر.
الشروق