تحطمت أحلام المهاجر السوداني محمد أبو بكر في بلوغ سواحل إيطاليا بعدما ألقى الدرك البحري التونسي القبض عليه في عرض البحر ضمن مجموعة من المهاجرين غير النظاميين على متن قارب قادم من ليبيا.
وصول أبو بكر إلى تونس جاء في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي -وفقا لخبراء- إلى مقايضة دعم تونس المالي بالمزيد من إحكام حراستها للحدود البحرية، لمنع تدفع المهاجرين غير النظاميين إلى سواحل أوروبا.
وأمام مبنى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في العاصمة تونس يفترش العشريني محمد أبو بكر -الذي هرب قبل نحو 3 سنوات من الاضطرابات في السودان- الرصيف مع رفاقه من المهاجرين المعتصمين، للمطالبة بتوطينهم في بلد آخر يوفر لهم الحياة بأمان ودون تمييز، حسب قولهم.
ووسط حراسة رجال الأمن تكتسح الخيام الصغيرة للمهاجرين واجهة مبنى المفوضية الموجود على ضفاف البحيرة (أبرز المناطق الراقية في العاصمة)، وفي هذا المكان يجتمع أشخاص من جنسيات مختلفة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء ينامون ويستيقظون هناك على أمل الحصول على لجوء إلى أوروبا “دون جدوى”.
العيش كبشر
يقول أبو بكر للجزيرة نت إنه يريد العيش كبشر في بلد ينعم فيه بالأمان كغيره من المهاجرين الذين ضاقوا ذرعا من العيش مشردين في تونس بلا مأوى بعد قرار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إخلاء جميع مراكز الإيواء، فضلا عن تعرضهم من حين إلى آخر لاعتداءات عنصرية لفظية وجسدية.
ويؤكد أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين توهم المهاجرين بأنها تسعى إلى مساعدتهم في الحصول على اللجوء بدول حاضنة، فيما تقوم في حقيقة الأمر ببيع الأوهام ومماطلتهم لدفعهم يائسين للعودة إلى بلدانهم الأصلية أو البقاء في تونس لمواجهة مصيرهم بمفردهم غير عابئة بخطورة وضعهم، كما يقول.
ويشتكى مهاجرون أفارقة من جنوب الصحراء من تعرضهم للمزيد من الاعتداءات، خاصة بعد تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد في 21 فبراير/شباط الماضي حول تزايد أعدادهم ودعوته إلى تشديد الإجراءات للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة، ولا سيما في الاتحاد الأوروبي.
وبينما تعيش تونس وضعا ماليا خانقا لأسباب عدة، منها تراجع النمو بسبب تداعيات جائحة كورونا وارتفاع التضخم نتيجة غلاء الأسعار العالمية بسبب الحرب الأوكرانية وصعوبة توفير التمويلات، خاصة مع تعطل حصولها على قرض من صندوق النقد لوّح الاتحاد الأوروبي بمساعدتها ولكن بمقابل.
دعم تونس
وتوالت تحذيرات كبار المسؤولين الأوروبيين -بينهم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل- من خطر انهيار الاقتصاد التونسي وتأثيراته على طفرة المهاجرين نحو أوروبا، في حين شدد كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني على دعم تونس.
وقبل يومين، زار تونس وفد يرأسه المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جينتيلوني، للتباحث حول سيناريوهات التعاون المشترك لإنقاذ الاقتصاد التونسي وتدعيم التعاون في مكافحة الهجرة غير النظامية.
في المقابل، أكد جينتيلوني أن الاتحاد الأوروبي سيدعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
من جانبه، قال السفير الفرنسي في تونس لوكالة الأنباء التونسية الرسمية إن بلاده مستعدة لتغطية حاجة تونس من التمويلات الإضافية لعامي 2023 و2024، مضيفا أنها ستعمل على تحفيز الممولين الدوليين مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لسد حاجة موازنتها من التمويلات الخارجية.
ابتزاز أوروبي
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي معز حديدان في تصريح للجزيرة نت إن توصيف كبار المسؤولين الأوروبيين الوضع الاقتصادي التونسي بالمنهار وربطهم فرص إنقاذه بالحصول على قرض من صندوق النقد يأتي في إطار الضغط على تونس من أجل إحكام قبضتها على الحدود البحرية وبقائها أرض لجوء لا عبور.
ويؤكد حديدان أن الاتحاد الأوروبي يقوم بنوع من الابتزاز لمقايضة دعمه المالي لتونس عن طريقه أو عبر تحفيزه المانحين الدوليين كصندوق النقد والبنك الدولي بهدف كبح جماح الهجرة غير النظامية إلى سواحله، مؤكدا أن تونس ستواجه صعوبات كبيرة في حالة عدم حصولها على تمويلات خارجية هذا العام.
وبلغت موازنة تونس خلال العام الجاري نحو 70 مليار دينار (20 مليار دولار)، وتعمل على تمويلها بعائدات الضريبة بنحو 46 مليار دينار، فيما تسعى إلى اقتراض 9.5 مليارات دينار من السوق الداخلي، وتعمل على اقتراض 14.8 مليار دينار (5 مليارات دولار) من الخارج.
وحتى الآن لم يوافق صندوق النقد الدولي على منح تونس قرضا لأسباب عدة، أبرزها عدم وثوقه في قدرتها على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وعلى رأسها رفع الدعم عن المواد الأساسية وخصخصة شركات للدولة.
ويقول حديدان إن الاتحاد الأوروبي يعلم جيدا أن تونس بحاجة عاجلة لتلك التمويلات، وبالتالي هو يسعى للاستفادة من وضعها الاقتصادي المتعثر مقابل حثها على لعب دور فعال في الحد من الهجرة غير النظامية، مبينا أنه في غياب تلك التمويلات ستواجه تونس صعوبات في التوريد وتسديد ديونها.
من جهته، يقول مدير المركز العربي للأبحاث والدراسات في تونس مهدي مبروك إن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى إمكانية انهيار الوضع التونسي بغض النظر عن المستويات السياسية والاقتصادية من ناحية تدفق الآلاف من المهاجرين، مؤكدا أن المخاوف تقض مضجعه من أن تصبح تونس طريقا معبدا للهجرة نحو أوروبا.
ويؤكد مبروك في تصريح للجزيرة نت أن الاتحاد الأوروبي يواصل في المنحى نفسه دعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد بهدف الحد من الهجرة غير النظامية باتجاه سواحله، مشيرا إلى أن هذا التعاون الإستراتيجي بين الاتحاد وتونس -خاصة بين إيطاليا وتونس- موجود منذ حوالي عقدين.
ويتوقع أن تتزايد مكافحة عمليات الهجرة غير النظامية في عرض البحر من السلطات التونسية في إطار التعاون التونسي الأوروبي، مؤكدا أيضا أن السنوات المقبلة ستشهد طفرة كبيرة في أعداد المهاجرين انطلاقا من المغرب العربي بدرجات متفاوتة بسبب التحولات المناخية الحادة والحروب وغياب التنمية والرفاه.
من جانبها، تقول الأستاذة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي للجزيرة نت إن تصريحات كبار المسؤولين الأوروبيين بشأن دعم تونس ماليا تأتي في نطاق مقايضة الاتحاد الأوروبي حماية حدوده من المهاجرين.
وأشارت إلى أن تدفقات المهاجرين عبر القوارب باتجاه أوروبا لا تزال متواصلة، خاصة مع اعتماد المهربين نقاط انطلاق جديدة غير معروفة للسلطات التونسية، والتي لن يكون دورها كافيا لحراسة الحدود البحرية بدليل عدم التفطن لمهاجرين بلغوا سواحل إيطاليا أو لجثث الغرقى في البحر إلا بمرور الوقت.
وترجع الجلاصي مخاوف الاتحاد الأوروبي من تزايد تدفق المهاجرين غير النظاميين لأوروبا على عكس هجرة الكفاءات التي تستقطبها بكثافة للاستفادة منها إلى نظرة المجتمعات الأوروبية -خاصة لدى اليمين- بأن المهاجرين يشكلون تهديدا أمنيا وثقافيا واجتماعيا وديمغرافيا ودينيا.
المصدر : الجزيرة