انعكست التوترات السياسية بين الجزائر وباريس بشكل مباشر خلال السنوات الأخيرة على الجانب الاقتصادي، وتراجعت فرنسا إلى المركز الثاني بعدما كانت تحتل المركز الأول على قائمة الواردات الجزائرية.
وسجلت الحصة السوقية لفرنسا في الجزائر تراجعا إلى 10.7 في المئة، وهي أقل بكثير مما كانت عليه عام 2000، حيث قدرت حينها بـ 24 في المئة.
وتشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية حالة من التوتر منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، على خلفية ملف الذاكرة والجرائم التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار.
وفي أبريل / نيسان الماضي، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريح وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب، الذي قال فيه إن فرنسا “عدوتنا التقليدية والدائمة” بـ “غير المقبول”.
واعتبر الرئيس الفرنسي في تصريح لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، أن “الرغبة في مصالحة الذاكرة بين الفرنسيين والجزائريين مشتركة بشكل كبير”، مستدركا بقوله “لكنها تواجه بعض المقاومة”.
الخلافات المستمرة تركت أثرها على مستوى التبادل التجاري بين البلدين في ظل تحذيرات من تراجع أكبر خلال الفترات المقبلة.
يقول سليمان ناصر، الخبير الاقتصادي الجزائري، إنه وفقا لتقرير الجمارك لعام 2019، حلت فرنسا في المرتبة الثانية من حيث الواردات التي وصلت لـ 4.3 مليار دولار، أي ما يمثل نسبة 10 في المئة من قيمة الواردات.
وأكد أن الصين حلت في المرتبة الأولى، حيث بلغت الواردات من الصين 7.6 مليار دولار، ما يعادل 18 في المئة من حجم الواردات.
وفي حديثه لـ”سبوتنيك” لفت إلى أن فرنسا تعد الوجهة الأولى للصادرات الجزائرية بقيمة 5 مليار دولار، وبنسبة تصل إلى 14 في المئة من إجمالي الصادرات الجزائرية.
وأشار إلى أن فرنسا لديها تخوفات من فقدان المرتبة الثانية أو السوق الجزائري تدريجيا، خاصة أن الجزائر تتجه نحو السوق الروسية فيما يتعلق بالقمح، كما تتوجه نحو السوق الصينية بشأن بعض المنتجات.
التوترات المستمرة تؤثر بدرجة كبيرة على الاقتصاد، خاصة فيما يتعلق بملف الأرشيف والذاكرة، وجرائم الحرب التي ترفض فرنسا الاعتراف بها، بحسب سليمان ناصر، الذي شدد على أنه حال عدم تسوية الخلافات بين البلدين، فإن فرنسا ستفقد مكانتها لصالح بعض الدول الأخرى منها روسيا والصين وتركيا.
مخزون الاستثمارات الأجنبية مؤشرات سلبية
ويرى مداني لخضر، أستاذ جامعي وعضو المكتب الوطني لحركة البناء الوطني بالجزائر، أن بلاده تمثل السوق الأول لفرنسا في أفريقيا، إذ تصدر قرابة 8 آلاف مؤسسة فرنسية منتجاتها من الحبوب والمنتجات الصيدلانية والسيارات ومشتقات البترول إلى الجزائر.
وبحسب الخبير الاقتصادي، يبلغ مخزون الاستثمارات الأجنبية الفرنسية في الجزائر 2.6 مليار يورو، وهو ناتج وجود استثماري لما يقارب 450 مؤسسة تتوزع على الخدمات المالية منها البنوك، والتأمينات والصناعة الاستخراجية، والصناعات التحويلية، بالإضافة إلى خدمات أخرى.
وأضاف في حديثه لـ “سبوتنيك” أن الصادرات الفرنسية للجزائر بلغت خلال الـ 11 شهرا الأولى من سنة 2020 قيمة 3.36 مليار دولار.
وفي ظل التوترات خلال العقد الأخير بين البلدين، سجلت الحصة السوقية لفرنسا بالجزائر تراجعا إلى 10.7 في المئة، وهي أقل بكثير مما كانت عليه عام 2000، حيث قدرت حينها بـ 24 في المئة.
فقدت فرنسا صدارتها كأول ممون للجزائر، لتنحدر إلى رتبة الشريك التجاري الثاني بعد الصين، الذي تقدمت حصته السوقية إلى 19.8 في المئة عام 2019، لتصل صادراته لنحو 5.3 مليار دولار خلال 11 شهرا من 2020.
فائض تجاري ومنافسة دولية
خلال السنوات الماضية حافظت فرنسا في مبادلاتها التجارية مع الجزائر على تحقيق فائض تجاري” تجاوز 2 مليار يورو خلال سنوات 2010، 2012، 2015 و2016، إلا أنه شهد انحدارا ابتداء من 2017 ليصل إلى 1.5 مليار يورو ثم إلى 730 مليون يورو في 2019.
ويشير الكاتب في حديثه إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تذبذب في تدفق الاستثمار الأجنبي الفرنسي للجزائر، وتراجعت من الذروة عام 2009 بحدود نصف مليار يورو، إلى 286 مليون يورو عام 2018.
وفي وقت سابق من أبريل/ نيسان الماضي، قال عبد المجيد شيخي، مستشار الرئيس الجزائري لشؤون الأرشيف والذاكرة، إن فرنسا كقوة استعمارية سابقة نشرت الأمية في الجزائر.
وقال المستشار الرئاسي خلال ندوة بمناسبة “يوم العلم” في الجزائر، أقيمت في مقر الأرشيف الوطني في العاصمة، إن “فرنسا الاستعمارية عملت على نشر الأمية في الجزائر”، مشيرا إلى أن “الجزائر في 1830 كانت نسبة الأمية بها لا تتجاوز 20 في المئة، وبعد 30 سنة من بدء الاستعمار تم القضاء على المتعلمين وأتى ذلك مواكبة لعملية السلب والنهب، وهي عملية مسخ”.
وأضاف شيخي أن تقرير نظيره بنيامين ستورا، الذي تم تسليمه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن فترة الاستعمار وحرب الجزائر “يبقى تقريرا فرنسيا لا يتطلب منا الإجابة أو الرد عليه”، نافيا أن يكون قد تم تكليفه بإعداد تقرير في هذا الخصوص.