موقع المغرب العربي الإخباري :
بعد أقل من شهر على دخول حزب الله حرب الاستنزاف ضد العدو الصهيوني في 8 نوفمبر/تشرين الأول من العام المنصرم، دعماً وإسناداً للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، صادق رئيس أركان جيش الاحتلال “هرتسي هاليفي” على خطة دفاع وهجوم للجبهة الشمالية، وأوعز بالجاهزية لوحداته كافة، مهدداً بمهاجمة لبنان براً إن اضطر الأمر. منذ ذلك الوقت بات في كل تصريح يُدلي به، يُلوّح بالهجوم البريّ على الأراضي اللبنانية كخيار قائم وجدي، حيث تارة يتحدث عن “هجمة سريعة للغاية على كل مكان في لبنان”، وتارة أخرى يُعلن فيها عن اقتراب حكومة الكيان المحتل من نقطة اتخاذ القرار بشن هجوم بري واسع في الشمال، بعد أن أنهت قواته تدريباتها المكثفة على سيناريو الاجتياح البري. وأخيرا وليس آخراً إعلانه في 6 سبتمبر/ ايلول أن جيش الاحتلال يستعد لاتخاذ خطوات هجومية داخل الأراضي اللبنانية.
ما دفع بنتانياهو بعدها في ثلاثة أيام إلى التوجه شمالاً وذلك في 9 سبتمبر، ليُعلن من هناك تأكيده على إصدار تعليماته للجيش ولجميع القوات الأمنية بالاستعداد لتغيير الوضع في الشمال، حيث صوّب تهديدات رئيس الأركان مستخدماً عبارة “تغيير الوضع”، ليعود فيستعمل عبارة “توسيع الحرب” من دون أن يوضح كيف أو متى؟ ولا حتى طبيعة هذا التغيير أو هذه التوسعة، أهو هجوم بري أم تكثيف لعمليات الأغتيال؟ أم توسيع الضربات الجوية لتشمل بيئة المقاومة من مدنيين وبنى تحتية بما فيها ضاحية بيروت الجنوبية؟ وهذا ما أزعج هاليفي، فضلاً عن خلافاتهما السابقة التي تراكمت حتى أفضت إلى تلويحه بالاستقالة، ناهيك عن خلافاته مع معظم جنرلات الجيش، فضلاً عن يؤاف غالانت الذي يرى في توسعة الحرب شمالاً، ضرراً بصفقة الأسرى… وفي مطلق الأحوال بقدر ما يدفع كل من هرتسي هاليفي وإيميتار بن غفير (وزير الأمن القومي) وبتسلئيل سموتريتش ( وزير المالية) ونيسيم فاتوري (النائب المقرب من نتانياهو) وغيرهم، تجاه شن حرب برية ضد لبنان لتدمير حزب الله، فإنّ نتانياهو بالرغم من تهديداته بتوسعة الحرب شمالاً، إلا أنه يبدو متريثاً في تغليف هذه التهديدات بعملية برية، خلافاً لمن حوله.
وعلى الرغم أيضاً من مرواغاته المعتادة إلا أنه كان صريحاً في الشق الأول من تصريحه ما قبل الأخير عن الجبهة الشمالية حين فضح مقاربة بعض الدول الكبرى للسيادة اللبنانية، وذلك بمنح العدو تفويضاً مطلقاً بالدخول إلى الأراضي اللبنانية ساعة يشاء، حين قال: “خرجنا من لبنان منذ 24 عاماً، وقيل لنا أنه بإمكاننا العودة إذا أطلقت صواريخ. لكن لم نستطع بسبب ضغط العالم”. أما في شِقه الثاني فهو تبرير لعجزه عن اتخاذ قرار في هجوم بري على لبنان يُنهي حالة “المرواحة”، عبر تحميل مسؤولية الأمر للدول نفسها التي تمارس الضغط عليه لعدم توسعة الحرب… فلماذا نتانياهو لغاية اليوم لم يُهدد لبنان مباشرة بشن هجوم بري عليه؟ والسؤال الأهم ماذا يريد نتانياهو من لبنان؟، أما أسباب إحجامه عن التهديد بهجوم بري فهو:
-
إنّ أي تصريح يصدر عنه هو بمثابة قرار يُحسب عليه، وبات لزاماً عليه تنفيذه بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية في الكيان الغاصب، وبالتالي لا يمكنه التراجع أمام جمهور المستوطنين، وهذا واحد من أسباب عناده في عدم وقف الحرب على غزة، بعد أن أصبح أسيراً لسقف الأهداف الذي رفعه منذ اليوم الأول للحرب، إذ يرى أنّ أي خيار بديل عن هذا السقف بمثابة انتحار سياسي له.
-
قد وضع نتانياهو أجندته الخاصة، وفيها أن لا حرب برية على لبنان في الوقت الراهن حتى الخامس من نوفمبر/ تشرين ثاني موعد الإنتخابات الأمريكية ليبني على الشيء مقتضاه تبعاً لشخصية الرئيس الجديد، ومنها أيضاً مشاريعه التوسعية لمستوطناته غرباً باتجاه القطاع، وشرقاً في الضفة الغربية مع محاولة الإبقاء على حدوده الشرقية آمنة من خلال مشروعه الجديد بإقامة جدار أمني بينه وبين الأردن إثر عملية “جسر الكرامة”.
-
انزعاج نتانياهو من ظاهرة العسكريتاريا الصهيونية المتحمسة لدى هاليفي وجنرالاته الذين يدفعون به لشن حرب برية على لبنان، والتي تأتي في سياق المزايدة السياسية عليه، في وقت بات فيه مكبل اليدين بين غزة والضفة، فهو وإن منح جنرالاته هامشاً محدداً بالتصريح والتهديد، فذلك من منطلق الحرص على معنويات جيشه عبر إظهار القوة من حين لآخر.
-
وقوفه وراء بعض المسؤولين الصهاينة في إطلاق التهديدات بشن حرب برية ضمن إطار الحرب النفسية على حزب الله وجمهوره، وإن كانت هذه التهديدات لم تلق صدى في بيئة المقاومة، فإنّ شريحة واسعة من السياسيين والإعلاميين اللبنانيين المناوئين لحزب الله، تلقفتها لتعزف عليها خوفاً مصطنعاً على مصير الجنوبيين، وتهويلاً على مواطني الجنوب بضرورة النزوح الفوري من أرضهم، مثل بيانات العدو التهديدية التي تسقطها طائراته فوق القرى المأهولة.
-
يعلم نتانياهو أنه بغية الإنطلاق بعملية برية في الشمال يجب أن يسبقها أمران، لا ثالث لهما، الأول هو التخفيف من العمليات العسكرية في غزة إلى حدها الأدنى وسحب إحدى الفرق الثلاث المقاتلة فيها على الأقل، وهم: الفرقة 89، الفرقة 88، والفرقة 162 وهي الأكثر ترجيحاً للعمل شمالاً على أن يسبقها تدريبات على المخطط الحربي في الشمال، والثاني هو تأمين الضفة الغربية قبل أن يتوجه شمالاً، فالقلق المستمر من أن يفرض عليه طوفان أقصى ثانٍ يخرج منها تَغّير في أولويات الحرب، من خلال تحويل ثقل قواته البرية تجاه الضفة، مما سيُخفّف من قدراته في الاستمرار بتنفيذ هجمات برية على غزة، كما سيُعرقل أي مخطط في الشمال.
لذا وفي ظل إدراك نتانياهو بأن لا قدرة عملانية لقواته في الوقت الراهن بشن هجوم بري، كما لا طاقة لها على حسم المعركة برياً ضد حزب الله، إن من خلال الجبهة اللبنانية أو حتى السورية، فإنه سيستمر بتكثيف ضرباته على امتداد الأراضي اللبنانية والسورية حتى لو استمر الأمر أشهراً طويلة وذلك من ضمن سياسة “العض المتبادل للأصابع”، مع احتمال توجهه فيما بعد للقيام بعمليات برية محدودة على امتداد الحدود باعتماد أسلوب “القضم التدريجي للأراضي الجنوبية”، للحد من خسائر قواته البرية وفي إطار تكثيف الضغط على لبنان، وصولاً الى غايته في تحقيق أفضل اتفاق ممكن مع لبنان يحاكي اتفاق 17 أيار، لكن بصيغة أخرى فلا هو اتفاق هدنة ولا هو اتفاق سلام، ويتمحور حول أربعة نقاط رئيسة: أولها الاتفاق على النقاط المتنازع عليها حدودياً مع ضمانات دولية بأن لا يصبح الشريط الحدودي محور فلادلفيا آخر، وثانيها بأن يصبح الجنوب اللبناني خالياً من سلاح المقاومة مع عودة مشروطة للمهجرين إلى قراهم إن لم يكن ترحيلهم نهائياً، وثالثها أن يقوم الجيش اللبناني بتسليحه الضعيف أمام الترسانة العسكرية الصهيونية بالإنتشار في الجنوب، على أن تعمل إلى جانبه قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب الليطاني في حفظ الأمن وذلك تحت بند الفصل السابع والذي “يسمح لها القيام بعمل غير عسكري أو عسكري لحفظ السلم والأمن الدوليين”، ورابعها أن يمنحه لبنان تسهيلات أمنية على غرارالأردن، بواسطة جهاز استخباراتي دولي ثالث…
فهل سيكتفي بهذا أم سيطالب لاحقاً بتراجع المقاومة من الضاحية الجنوبية والبقاع؟ لكن إلى أين؟ إلى ايران أو العراق؟ تناغماً مع تصريحات بعض السياسيين المحليين والإقليميين من الذين يروجّون بأنّ المقاومة الاسلامية في لبنان هي احتلال ايراني.. لتعود فتطفو كلمة “الغريب” من جديد على سطح الإعلام العبري، بعد أن تناسى جميعهم أنّ للمقاومة وجمهورها جذور في هذه الأرض منذ مئات السنين امتدّت من شمالها إلى جنوبها، فهم من الأوائل الذين تصدوا للحملات الصليبية على امتداد ساحل بلاد الشام، وقاوموا في جبيل وكسروان حملات المماليك، وقاموا بثورات عديدة ضد العثمانيين من جبل عامل امتداداً إلى طرابلس الفيحاء، كما وكانوا السباقين في الثورة على الانتداب الفرنسي في جبل عامل في العام 1920، حيث شن عليهم الجيش الفرنسي حملته العسكرية الواسعة، التي عُرفت ب”حملة النيجر”، أفمن بعد هذا يحدثونك عن الاحتلال والمحتلين؟ و قد بدأت مشاريع الاحتلال الصهيوني للبنان بالتحطم تدريجياً منذ سبتمبر/أيلول العام 1982، وتوجت بانهزامه في العام 2000 حين خرج إيهود باراك مذلولاً، وفي العام 2006 تراجع إيهود أولمرت مدحوراً عن الجنوب اللبناني، ومنها إلى محكمة الرؤساء بتهمة الفساد حيث كان مصيره السجن…فهل سيلتحق بنيامين نتانياهو بسلفه في السجن؟ أم سيلتحق بإسحاق رابين ثأراً لقتلى الأسرى وعائلاتهم؟…
انسخ الرابط :
Copied