سلطت صحيفة “الغارديان” عبر تقرير لها الضوء على تواطؤ الحكومة البريطانية في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في غزّة عبر صمتها ودعمها المادي والدبلوماسي لإسرائيل، مشيرة إلى فشل لندن في الاستجابة لتحذيرات منظمة “أطباء بلا حدود” بشأن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي رغم الأدلة الموثّقة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن عبد الله حماد قُتِل الأسبوع الماضي برصاص القوات الإسرائيلية أثناء انتظاره جمع الدقيق من شاحنة مساعدات في خان يونس، ليكون بذلك الزميل الثاني عشر من منظمة “أطباء بلا حدود” الذي يُقتَل في غزّة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأكدت الصحيفة أن برنامج توزيع الغذاء الإسرائيلي-الأمريكي يُجبر سكان غزّة على الاختيار بين المجاعة وتعريض حياتهم للخطر من أجل حصص ضئيلة، وهو ما أودى بحياة أكثر من 500 شخص وأوقع نحو 4,000 جريح أثناء محاولاتهم الحصول على الغذاء، ليُستخدم كطُعم يجتذب اليائسين ثم يُقتلون برصاص الجيش الإسرائيلي.
ورأت الصحيفة أن ذلك جزء من الإبادة الجماعية الجارية في غزّة، التي تتواطأ الحكومة البريطانية في استمرارها، ففي مطلع أبريل / نيسان بعثت “أطباء بلا حدود – المملكة المتحدة” برسالة إلى وزير الخارجية ديفيد لامي، عرضت فيها مشاهدات الفرق الطبية الميدانية، ووصفت التدفق الهائل للجرحى والجثث التي استقبلتها مرافق “أطباء بلا حدود” في 18 مارس/ آذار، حين شنّت القوات الإسرائيلية هجمات غير مسبوقة حطّمت الهدنة الهشّة.
وأشارت إلى أن الفرق الطبية ومرضاها اضطروا لإخلاء 17 مرفقًا صحيًّا وتعرّضوا لسلسلة من الهجمات العنيفة شملت غارات جوية دمّرت مستشفيات ومراكز صحية، ودبّابات أطلقت النار على ملاجئ إنسانية، واقتحامات برية داخل مرافق طبية، إضافة إلى استهداف قوافل إنسانية وسيارات إسعاف برصاص الجيش الإسرائيلي.
وأكدت الصحيفة أنه “لم يعد هناك أي مستشفى يعمل بكامل طاقته في غزّة، فيما خرج نحو نصفها عن الخدمة بالكامل، في ظل الحصار الشامل الذي تفرضه إسرائيل”.
وبيّنت الصحيفة أن هذه الأدلة تتّسق مع توصيف التهجير العرقي والإبادة الجماعية الذي قدّمه خبراء قانونيون ومنظمات حقوقية، مشيرة إلى أن المنظمة طلبت اجتماعًا عاجلًا لإطلاع وزير الخارجية على مزيد من التفاصيل ومعرفة الخطوات التي ستتخذها بريطانيا لمحاسبة إسرائيل على فظائعها بحق الشعب الفلسطيني.
لم نتلقَّ أي رد
وأفادت الصحيفة أنه بسبب ذلك وجهت “أطباء بلا حدود”، في السابع من مايو/ أيار، وجّهت رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء، وصفت فيها استخدام التجويع والعقاب الجماعي كأسلحة حرب من قِبَل الحكومة الإسرائيلية ضدّ شعبٍ بأكمله.
وناشدت المنظمة الحكومة البريطانية الوفاء بالتزاماتها بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، والتحرّك وفقًا للقانون الإنساني الدولي لحماية جميع المدنيين في غزّة، داعيةً إيّاها إلى إدانة الحكومة الإسرائيلية علنًا على الفظائع المرتكبة بحقّ أهالي غزّة.
كما حذرت من أن الفشل في اتخاذ إجراءات عاجلة واعتماد موقف واضح تجاه هذه الجرائم الموثّقة والخطيرة بحق القانون الدولي سيعرّض الحكومة البريطانية لخطر كبير باتّهامها بالتواطؤ.
وأوضحت الصحيفة أنه، ومنذ الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تواصلت المنظمة مرارا مع الحكومة لتقديم أدلّة على الفظائع التي شهدها وتعرّض لها مئات من زملائها في غزّة مباشرةً، ولتذكير بريطانيا بقدرتها وبواجبها في التحرّك، وطلبت عقد اجتماعٍ عاجل رفيع المستوى، لكنها لم تتلقَّ يومًا أي اعتراف واضح بالأدلّة المقدّمة، ولم يُعرض عليها ذلك الاجتماع قطّ.
وترى المنظمة أنه لم يعد بوسعها سوى الاستنتاج بأن الحكومة البريطانية لا تريد الاعتراف بما بات جليًّا للجميع: أن إبادة جماعية تُرتكب في غزّة بدعمٍ عسكري ودبلوماسي ومادّي من بريطانيا.
وقالت الصحيفة إنه في 23 حزيران/ يونيو، تلقّت المنظمة رسالة من وزير الدولة البرلماني لشؤون الشرق الأوسط، هاميش فالكونر، لكنها كانت غير كافية على الإطلاق ولم تتطرّق لأيٍّ من النقاط المطروحة، إذ اقتصر مضمونها على القول: “نحتاج إلى مزيد من الإجراءات من الحكومة الإسرائيلية الآن لرفع جميع القيود عن المساعدات، لتمكين الأمم المتحدة وشركائها الإنسانيين من أداء عملهم، ولضمان وصول الغذاء والإمدادات الحيوية الأخرى إلى الناس بأمان.”
وأردفت الصحيفة أن المساعدات وحدها لن توقف إبادة جماعية مستمرّة، إذ هناك حاجة إلى وقف التهجير القسري وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، وإلزام الحكومة الإسرائيلية باحترام القانون الدولي والآراء الصادرة عن محكمة العدل الدولية.
ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يتعرّض سكان قطاع غزّة بأكملهم لقصف متواصل من القوات الإسرائيلية، ما أدّى إلى تدمير النظام الصحي بالكامل، بينما يُستهدَف العاملون الصحيّون، بمن فيهم زملاء “أطباء بلا حدود”، بشكلٍ منهجي من قِبَل الجيش الإسرائيلي.
وبسبب الحصار وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، يقف أكثر من مليوني شخص حاليًا على شفير المجاعة، في إطار إستراتيجية محسوبة تهدف إلى القضاء على المجتمع الفلسطيني.
وخلصت الصحيفة إلى التأكيد على ضرورة اعتراف الحكومة البريطانية بأحكام محكمة العدل الدولية وتحترمها، وتلتزم بالقانون الدولي وتوصيات المحكمة بشأن معقولية وقوع إبادة جماعية، وأنه كما تقع على عاتق «أطباء بلا حدود» مسؤولية التحرّك بوضوح أخلاقي وثبات إنساني في مواجهة الفظائع الجماعية، فينبغي أن ينطبق الشيء نفسه على الحكومة البريطانية.
المصدر: عربي21