رغم تراجع التوتر بشكل ملحوظ بين البلدين في الأشهر الأخيرة، إلا أن إصرار اليونان على التلويح بشكل دائم بـ”حقها” في إعلان توسيع حدودها البحرية من 6 إلى 12 ميلا بحريا في بحر إيجه، يُبقي خطر المواجهة العسكرية قائماً وبقوة، في ظل تأكيدات تركيا المتكررة على أن خطوة من هذا القبيل تعتبر بمثابة “إعلان حرب” وسبباً كافياً للدخول في مواجهة عسكرية واسعة مع اليونان، وهو ما يدفع لاستبعاد إقدام أثينا على هذه الخطوة الخطيرة.
وعلى الرغم من أن اليونان تلوح بهذه الخطوة منذ سنوات طويلة، إلا أن الأمر أخذ منحاً أكثر جدية مع إعلانها قبل أكثر من عام توسيع حدودها البحرية من 6 إلى 12 ميلا في البحر الأيوني، وتلويحها المتكرر بأنها تنوي الإقدام على خطوة مماثلة لتوسيع حدودها البحرية في بحر إيجه، وهي الخطوة التي اعتبرتها تركيا مراراً بمثابة “سبب كافٍ لإعلان الحرب”.
وكانت اليونان وإيطاليا توصلتا إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وأعلن آنذاك رئيس الوزراء اليوناني البدء بإجراءات توسيع الحدود البحرية لبلاده في البحر الأيوني من 6 إلى 12 ميلاً بحرياً. والبحر الأيوني هو امتداد للبحر الأبيض المتوسط يتصل من شماله بالبحر الأدرياتيكي ويحده غرباً الأجزاء الجنوبية من إيطاليا وجزيرة صقلية، ومن الشمال الشرقي جمهورية ألبانيا والعديد من الجزر اليونانية التي تعرف باسم الجزر الأيونية.
تركيا تؤكد أن توسيع اليونان حدودها البحرية في بحر إيجه يعتبر بمثابة “إعلان حرب” ويعد سبباً كافياً للدخول في مواجهة عسكرية واسعة
وفي هذا الإطار، نقلت وسائل إعلام يونانية عن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، قوله إن “توسيع نطاق حدودنا البحرية الغربية هو حق لليونان، وهذا يحمل أيضاً رسالة تتعلق بحدودنا البحرية الشرقية”، في إشارة إلى إمكانية الاتجاه إلى خطوة مماثلة في الحدود البحرية القريبة من تركيا في بحر إيجه. وفي تصريحات مشابهة، قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، إن بلاده تخطط لتوسيع مياهها الإقليمية شرقي جزيرة كريت في البحر المتوسط، مضيفاً: “بالطبع تشمل كريت الجزء الشرقي من الجزيرة، نحن نخطط لتوسيع مياهنا الإقليمية شرقي جزيرة كريت”.
ومن شأن توسيع الحدود البحرية لليابس اليوناني الأساسي والجزر اليونانية المتناثرة على طول بحر إيجه من 6 إلى 12 ميلا، أن يوصل الحدود البحرية لليابس والجزر، وبالتالي تصبح معظم مناطق بحر إيجه بمثابة مناطق تابعة للسيادة اليونانية، وهو ما يعني محاصرة تركيا بشكل كامل من ناحية بحر إيجه، وأنها ستكون بحاجة للحصول على إذن من اليونان لعبور سفنها المدنية والعسكرية من بحر مرمرة إلى البحر المتوسط والمياه الدولية مروراً ببحر إيجه، وهو السيناريو الذي تقول تركيا إنها لن تسمح بحصوله على الإطلاق.
وقبل أيام، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار: “إذا وسعتم الحدود البحرية إلى 12 ميلا يعني أننا سنكون بحاجة للحصول على إذن للمرور إلى المياه الدولية، بطريقة ما حصلتم على 6 أميال اشكروا الله على ذلك”، مضيفاً: “نأمل من الله أن لا تقع اليونان في حسابات خاطئة، لأن آخرين قاموا بحسابات خاطئة وقمنا بعد شهر من محاولة الانقلاب (يونيو/تموز 2016) بعملية درع الفرات (في إشارة إلى العملية العسكرية ضد الوحدات الكردية شمالي سوريا)، يجب أن لا يختبروا صبرنا وألّا يقوموا بهذه المناورة”.
والإثنين، قالت وسائل إعلام يونانية، استنادا إلى مصادر دبلوماسية، إن أثينا لم تتخل عن أطروحتها في توسيع مياهها الإقليمية في بحر إيجه إلى 12 ميلاً، ونقلت وسائل إعلام محلية عن المصادر أن “موقف اليونان الأساسي هو أن حق البلاد في توسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلاً أمر لا غنى عنه، وفق ما ينص عليه القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)“.
والسبت، قال نائب وزير الخارجية اليوناني الأسبق كريستوس روزاكيس، إن بلاده بذلت قصارى جهدها خلال المباحثات الاستشارية لإحياء الحوار مع تركيا، مشيراً إلى أن الجانب اليوناني قدم مقترحات بناءة لتركيا خلال المباحثات، بما في ذلك تقليص المياه الإقليمية على 10 أميال، إلا أن مصادر رسمية اعتبرت أن تصريحات المسؤول السابق “تعبر عن رأيه الشخصي فقط”، في تأكيد على تمسك اليونان بطرح توسيع الحدود البحرية إلى 12 ميل بحري.
من شأن توسيع الحدود البحرية لليونان من 6 إلى 12 ميلا، محاصرة تركيا بشكل كامل من ناحية بحر إيجه، وأنها ستكون بحاجة للحصول على إذن من اليونان لعبور سفنها المدنية والعسكرية من بحر مرمرة إلى البحر المتوسط والمياه الدولية
وإلى جانب الكم الهائل من الخلافات بين تركيا واليونان، تعتبر هذه أخطر خطوة يمكن أن تلجأ لها أثينا في ظل توتر عسكري غير مسبوق بين البلدين، حيث ترى أنقرة في خطوة مماثلة ببحر ايجه بمثابة سيطرة كاملة على البحر من قبل اليونان، وهو ما اعتبره كثير من السياسيين والكتاب الأتراك “إعلان حرب مباشرا”.
وسبق أن لوحت اليونان مراراً خلال العقود الماضية بالقيام بهكذا خطوة في بحر إيجه أبرزها عام 1995، لكن اليونان تراجعت عن هذه الخطوة آنذاك بعدما صوت البرلمان التركي بأغلبية كاملة على بيان يعتبر إقرار اليونان هذا الأمر بمثابة “إعلان حرب مباشر على تركيا”، وهو ما أعاد التأكيد عليه كبار المسؤولين الأتراك طوال الأشهر الماضية.
وفي تصريح سابق له، قال نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي: “هل تتوقون منا قبول ذلك؟ إذا لم يكن هذا سبباً لاشتعال الحرب، فماذا يكون؟”، من جهته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو: “لا يمكن لليونان أن تزيد حدود مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا، والقرار الذي اتخذه برلماننا قبل سنوات لا يزال ساري المفعول، أي أن زيادة الحدود البحرية تعتبر سببا للحرب”.