موقع المغرب العربي الإخباري :
سؤال قديم تكرر فصولا، وبرز بروزه في الحرب الأخيرة على غزة، وحقيقي بكل من له أدنى قسط من عقل وقليل من فكر أن يسأله، وجدير بكل من يعرف جوابه أن يبينه للناس ويفصله لهم.
وقبل مدة وأنا أحاول حمل نفسي على الكتابة في جواب هذا السؤال، ولكنها كانت تنازعني إلى تركه والإعراض عنه فيقعد بي ما بها من ملل، حتى جاء صديقي وأستاذي الدكتور مأمون فندي، وكتب على صفحته بموقع (x): “كيف مات الارهاب في الشرق الأوسط في يوم وليله ولا حتى ذئاب منفرده؟ من كان يحرك هذه الجماعات ولحساب من ؟ لا اعتقد ان دول المنطقة قادرة على القضاء عليه لدرجة زيرو في يوم وليلة، الظاهر تحتاج إلى بحث جاد خارج كلام الأيدولوجيات والإخوان وسيد قطب والمودودي الخ … الموضوع يحتاج دراسة متعمقة في المد والجذر الخاص بالإرهاب متى يملأ الدنيا ضجيجا وكيف يموت.
واذا كان الارهاب مرتبط بفلسطين كما كان يقال، هؤلاء الفلسطينيون يذبحون كالخراف أمامكم ولا حس ولا خبر، لا إسلامي ولا شيوعي. فما القصة ؟” انتهى كلامه
فنهز حديثة دلو قريحتي وحرك مياهها، خاصة أنه عقب قائلا: “وهل الخبرة بل الارهاب والجماعات الاسلامية علم ام انه نوع من الكتابة الإبداعية السيئة مثل الروايات السيئة او الشعر السيء ؟” وهو يعلم علما يقينيا أن الطائفة التي خصها بالسؤال لن تجيبه، فهي لا تفهم ولا تعي من الجماعات الإسلامية إلا ترويج الشبهات وجعل من كلامها فيهم مطية للطعن في الإسلام، ولا تجيد إلا تكرار الألفاظ النمطية التي تتقممها من نفايات المستشرقين، وهم في الأصل صناعة الأنترنت لأنه لولاها لما علموا من الإسلام والجماعات شيئا غير الآذان، أما طول الآناة في التقصي وإعنات الروية في البحث، ثم إجادة التحليل والصبر على التعليل، فهي صفات لا يمتلكون منها شيئا ولا يقدرون على الحد الأدنى منها.
اعتذر منك على هذه الإطالة التي غناء عنها، قبل أن نجيب على السؤال الذي عنونت بها هذا المقال وانشأته للجواب عليه، وحتى يكون القارئ على ذكر، فإنه وجب التنبيه لأمر مهم، وهو أن هذا المقال غرضه الجواب على السؤال، وليس غرضه بيان الأخطاء والمخالفات العقدية للجماعات الإسلامية، ولا الرد عليها أو مناقشتها، لأن هذا الضرب من البيان له موضعه وأسلوبه ، الذي لا يطيقه أصحاب الألقاب المذكورة ولا يقدرون عليه.
أراد الأمريكيون، وعلى رأسهم زبيغنيو بريجينسكي، أن يجعلوا من أفغانستان فتنام ثانية، لكن هذه المرة للسوفيات، ولم يكن الأمر مقتصرا على تدريب الأفغان وتسليحهم، بل عمل بريجينسي، على حشد الدعم العربي والإسلامي، سواء للدعم المادي واللوجيستيكي والبشري، فقام بمجموعة من الرحلات المكوكية، على طريقة كيسنجر، إلى مجموعة من العواصم العربية والإسلامية، فتم له ما أراد وكان ما كان.
وهنا بدأت الفتاوى من المؤسسات الدينية الرسمية التابعة للحكومات العربية، تنسل من كل حدب وتخرج من كل صوب، وتتطاير في كل اتجاه وتحط في كل مكان، من الأزهر الشريف مرورا وزارات الأوقاف وصولا الى المؤسسات الرسمية في السعودية بإذن الحكام وامر الولاة، داعية إلى الجهاد ضد السوفيات، وطبعا هذه الفتاوى لا تخص الأفغانيين لا من قريب ولا من بعيد، وذلك أن الأفغان لا يحتاجون فتوى فهم في جهاد الدفع ( هذا النوع الذي من الجهاد الذي ينكره كثيرون الآن في غزة) ولكن تلك الفتاوى كانت موجهة للمسلمين في باقي البلاد الإسلامية، لأجل النفير وشد الرحال إلى أفغانستان.
ثم قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وخرج السوفيات من جحيم أفغانستان، وأراد من ذهب للقتال والجهاد العودة إلى بلدانهم، لكنهم وجدوا أنفسهم مهددون بالإعتقال، بتهمة انهم أصبحوا خطرا على الأمن القومي، وهنا تجمع كل هؤلاء في جماعة، وشحذت فيهم دفائن الإحن إتجاه دولهم وحكوماتهم، وتربت بداخلهم رغبة في الانتقام.
ثم أسست القاعدة من هذه البقايا التي لم تعد إلى بلدانها، وألحق بها آخرون سافروا إليها تحت تأثيرات عقدية، ومنهم من كانت بواطنهم استخباراتية، فتدربوا وتدرجوا، إلى أن وصلوا إلى مراتب كبرى، وأصبحت لهم الكلمة.
ومع مرور الأيام وتراخي السنوات، تقوت شوكة من كانت لهم خلفية استخباراتية، فأعلنوا الإنشقاق وأسسوا داعش، وكان لهذا دور كبير في أفول نجم القاعدة وخفوت دورها، بل وانتهائها، لأنها أصبحت مجرد إسم.
تولت داعش عنان القيادة، وعلى رأسها رجال أصحاب خلفيات استخباراتية، هم الذين يأمرون وينهون، وكل من انضم إليهم ينضم بمنطق السمع والطاعة المطلقة، وأغلبهم خلو من العلم الشرعي، ولن يتوجه منهم أحد إلى غزة أو فلسطين إلا بإذن القادة الكبار، لأنه بايعهم على السمع والطاعة المطلقة.
وهذه هي الأسباب التي تجعلنا لا نرى هذه الجماعات تقاتل في غزة وفلسطين.
وقد تزامن صناعة داعش سنة 2013، مع بداية الهجمة الإعلامية التي كانت على الإسلاميين، وكان لهذا اهداف منها المساهمة في الطعن في الاسلاميين لتيسير تكوين مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي نظر له شمعون بيريز، فكانت داعش علة لنفير الناس من كل ما هو إسلامي، وهنا كلام كثير لا أحب الأخذ فيه
هذا، وأحب أن أجعلك على علم بأمر استجد قبل سنوات، وعرف ساعتها ب”فتنة الصعافقة” حيث ظهرت تسجيلات صوتية لمشايخ في السعودية، يتكلمون فيها عن انعقاد مجالس سرية لإرسال الفتاوي إلى المقاتلين في سورية، مع العلم أن هؤلاء المشايخ يرون بحرمة انعقاد مجالس سرية دون علم ولاة الأمور، وخاصة الفتوى في أمور العامة، وأمور القتال التي هي من اختصاص الولاة والأمراء.
وهنا من حقنا أن نسأل: إذا كانت هذه المجالس سرية ومن خلف الولاة والأمراء، فلماذا لم يتم القبض على أصحابها بعد أن افتضح أمرهم؟؟؟فكما ترى فإن الأمر يتكرر فصولا وبعاد جذعا كما بدأ أول مرة أم أن بريحينسكي ينظر ويخطط من قبره؟؟
كاتب مغربي مهتم بالشأن الأوراسي
انسخ الرابط :
Copied